للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وروى بِسَنَدِهِ أَيْضا عَن ابْن الْمُبَارك يَقُول: "سَأَلَ أَبُو عصمَة أَبَا حنيفَة مِمَّن تَأْمُرنِي أَن أسمع الْآثَار؟ " قَالَ: "من كل عدل فِي هَوَاء، إِلَّا الشِّيعَة فَإِن أصل عقدهم تضليل أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن أَتَى السُّلْطَان طَائِعا، أما إِنِّي لَا أَقُول أَنهم يكذبونهم، أَو يأمرونهم بِمَا لَا يَنْبَغِي، وَلَكِن وطؤا لَهُم حَتَّى انقادت الْعَامَّة بهم فهذان لَا يَنْبَغِي أَن يَكُونَا من أَئِمَّة الْمُسلمين".

وَأما من ترك الدعاة من أهل الْبدع أَن يرْوى عَنْهُم، وروى عَمَّن لم يكن دَاعِيَة أَو أفتى بذلك.

يَقُول الْخَطِيب: "فَأخْبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب الْخَوَارِزْمِيّ بِسَنَدِهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول: "من رأى رَأيا وَلم يدع إِلَيْهِ احْتمل، وَمن رأى رَأيا ودعى إِلَيْهِ فقد اسْتحق التّرْك". وروى ابْن معِين وَمَالك بن أنس وَأحمد بن حَنْبَل وَجَمَاعَة أَنهم كَانُوا يروون عَن غير الداعية ويتركون الرِّوَايَة عَن الداعية فعل ابْن الْمُبَارك فقد تحدث عَن هِشَام الدستوَائي، وَترك عَمْرو بن عبيد وَلما سُئِلَ قَالَ:"إِن عَمْرو يَدْعُو"١وَذكر من مثل هَذِه الْعبارَات الْكَثِيرَة كلهَا يُوضح مَذْهَب كل من الْعلمَاء فِيمَا ذهب إِلَيْهِ من الرَّد وَالْقَبُول.

الْخَبَر الدَّال على طلب معرفَة الضُّعَفَاء وَالْوُقُوف على أَحْوَالهم.

وَردت عدَّة أَخْبَار تُشِير إِلَى الْحَث على معرفَة الضُّعَفَاء حَتَّى يقف الباحث على أَمرهم.

روى ابْن حبَان وَالْمُنْذِرِي: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ وَحجر بن حجر الكلَاعِي قَالَا: "أَتَيْنَا الْعِرْبَاض بن سَارِيَة - وَهُوَ مِمَّن نزل فِيهِ {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فسلمنا وَقُلْنَا: أَتَيْنَاك زائرين، وعائدين ومقتبسين، فَقَالَ الْعِرْبَاض: "صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم، ثمَّ أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت مِنْهَا الْعُيُون ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب، فَقَالَ قَائِل: يَا رَسُول الله، كَأَن هَذِه موعظة مُودع، فَمَاذَا تعهد إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: "أوصيكم بتقوى الله والسمع وَالطَّاعَة وَإِن عبد حبشِي، فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم بعدِي فسيرى اخْتِلَافا كثيرا، فَعَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء المهديين الرَّاشِدين، تمسكوا بهَا وعضوا عَلَيْهَا بالنواجذ، وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور، فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة.." قَالَ الْمُنْذِرِيّ: "وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَلَيْسَ فِي حَدِيثهمَا ذكر حجر ابْن حجر، غير أَن التِّرْمِذِيّ أَشَارَ إِلَيْهِ تَعْلِيقا" وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: "حسن: صَحِيح" والخلفاءَ: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي.. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "اقتدوا باللذين من بعدِي: أبي بكر وَعمر". . فَخص اثْنَيْنِ- فَإِذا قَالَ أَحدهمَا قولا وَخَالفهُ فِيهِ أحد من الصَّحَابَة كَانَ الْمصير إِلَى قَوْله أولى.. وَيَقُول الْخطابِيّ فِي معالم السّنَن أَيْضا: (والنواجذ) آخر الأضراس.. وَاحِدهَا ناجذ.. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجد فِي لُزُوم السّنة، فعل من أمسك الشَّيْء بَين أَضْرَاسه، وعضو عَلَيْهِ، منعا لَهُ أَن ينتزع، وَذَلِكَ أَشد مَا يكون من التَّمَسُّك بالشَّيْء، إِذا كَانَ مَا يمسِكهُ بمقاديم فِيهِ أقرب تناولا وأسهل انتزاعا.

وَقد يكون مَعْنَاهُ أَيْضا: الْأَمر بِالصبرِ على مَا يُصِيبهُ من المضض فِي ذَات الله، كَمَا يَفْعَله المتألم بالوجع يُصِيبهُ.. وَقَوله: "كل محدثة بِدعَة" فَإِن هَذَا خَاص فِي بعض الْأُمُور دون بعض، وكل شَيْء على غير أصل من أصُول الدّين، وعَلى غير عياره وَقِيَاسه.. وَأما مَا كَانَ مَبْنِيا على قَوَاعِد الْأُصُول ومردود إِلَيْهَا فَليصل ببدعة وَلَا ضَلَالَة.٢..

وَقَالَ ابْن حبَان قَالَ أَبُو حَاتِم: فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "فَإِنَّهُ من يَعش مِنْكُم فسيرى اخْتِلَافا فَعَلَيْكُم بِسنتي.." "دَلِيل صَحِيح على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أمته بِمَعْرِِفَة الضُّعَفَاء من الثقاة لِأَنَّهُ لَا يتهيأ لُزُوم السّنة مَعَ مَا خالطها من الْكَذِب والأباطيل إِلَّا بِمَعْرِِفَة الضُّعَفَاء من الثقاة وَقد علم النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا يكون من ذَلِك فِي أمته إِذْ قَالَ: "من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ... "


١ انْظُر: مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد لمنذري جـ ٧ ص ١١/١٢. ك السّنة /بَاب فِي لُزُوم السّنة حد
٢ نفس الْمرجع السَّابِق.

<<  <   >  >>