وقال قوم إنَّ النار إذا اصطلى بها إنسان، في أيام شباط حمى كبده، فلهذا يقول سقطت جمرة، ولا خلاف أنها تكون في اليوم السابع إلا في ليلته، وما اختلف المنجمون به لا يطلع لذلك كوكب، ولا تغيب الكواكب، لأن الكواكب لا يختص طلوعها يوم سابع، ولا سادس، لأنه قد يطلع في هذا العام في يوم السابع، واليوم الثاني، أما في السادس، أو في الثامن، أو غير ذلك، فبان صحة قولنا. قال لما كَبُرَ المرتضى، وأسنَّ أخذ العكَّاز يتوكأ عليها، وأنشد: [البسيط]
أهدى لي الشيبُ منه رجلاً ثالثةً ... وكنت من قبلها أمشي برجلينِ
هديَّةً كنت أبَّاها فصيَّرها ... إليَّ بالرغم مني قُرَّة العينِ
أمشي بها، وهي تمشي لي معاونةً ... ما كان أحسنني أمشي بلا عونِ
بان الشبابُ وطلَّ الشيب يصحبهُ ... وليتها تبقى بلا عونِ
كان أعرابيّ يجالس الشعبيّ، فيطيل الصمت، فقال له: ألا تتكلم؟ فقال: أسمع، وأعلم، وأسكت فأسلم.
دخل سابق على عامر بن عبد الله بن الزبير، فنظر إلى ابن له صغير يلعب في الدار، فقال له: لأتحبه؟ قال نعم، قال فأشكله بجميل من أدبك قبل أن يُشكِّل نفسه بما تكره، فتريد تحويله، فلاتستطيع! قال ابن سبرة: ما رأيت على رجل لباساً أحسن من فصاحة، ولا على امرأة لباساً أحسن من شحم. وقال آخر: حلية النساء الذهب وحلية الرجال الأدب.
كتب صاحب البريد من الخيل إلى المعتصم يخبره بكثرة الكلأ وخصب السنة، فقال لوزيره ما الكلأ؟ قال: لاأدري، قال المعتصم: إنا لله خليفة أمِّي، ووزير عاميّ.
قال كان ليحيى بن خالد البرمكي كاتب يختص بخدمته، فعزم على ختان ولده، فاحتفل الناس له وهاداه الأكابر وحمل عليه الأعيان الظرائف، وكان له صديق قد اختلف حاله وعجز عما يريده لذلك، وكان من الظرفاء، واللطفاء.
فعمد إلى كيسين كبيرين فملأ أحدهما ملحاً مطيباً، والآخر أشناناً مكوفراً وكتب معهما رقعة يقول فيها، لو تمت الإرادة لأسعفت بالعادة، ولو ساعدت المكنة على بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برِّك.
وتقدمت المجتهدين في كرامتك، ولكن قعدت القدرة عن البغية وقصرت الجدَّة عن مباراة أهل النعمة، وخفنان تطوي صحائف البرّ، وليس لي فيها ذكر، فأنفذت بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختتم بطيبه ونظافته، صابراً على ألم التقصير، ومتجرعاً عفص الاقتصار على اليسير، فأما ما لم أجد إليه سبيلاً في قضاء حقك، فالقائم فيه بعذري، قول الله تعالى (لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ) . [التوبة: ٩١] .
ثم حضر يحيى بن خالد الوليمة، وعرض على صاحبه جميع ما حمل إليه، ومن جملتها ذلك الملح، والأشنان، والرقعة فاستضرف الهدية، وأعجب بالرقعة، وأمر خازنه أن يملأ الكيسين عنباً، وينفد بهما إلى الرجل، وكان مبلغ ذلك أربعو آلاف دينار.
ورد أعرابي البصرة فحضر يوم الجمعة، والمؤذنون على المنارة، ولم يكن عهد الأذان، والمنارة، فقال ما هذا؟ فقال له بعض المَجَّانّ: من كان في قلبه حاجة يصعد إلى هذه العلية، ويذكرها ظاهراً فيعطى مناه، فقال: فإني، والله أصعد، وأذكر حاجتي، فقال الماجن لنقيب المؤذنين هذا الأعرابي حسن الصوت بالأذان، فدعه ليؤذن، فصعد، وتنحنح، ثم اندفع يقول: [الطويل]
جزى الله عنّا ذات بعلٍ تصدقت ... على غربٍ حتى يكون له أهلُ
فإنا نجاريها لما فعلت بنا ... إذا ما تزوّجنا وليس لها بعلُ
أفيضوا على غربائكم من نسائكم ... فما في كتاب الله أن يحرم الفضلُ
فتسارع الناس إليه، وطرحوه عن المنارة فمات، فقال بعض نساء أهل البصرة رحم الله ذاك المؤذن، فما كان أطيب صوته، وأذانه.
قال علي بن الجهم: دخلت على المأمون فرأيته مضطجعاً وعنده تفاحة معضوضة، بعث بها إليه بعض جواريه مكتوب عليها بالذهب:
لا بارك الرَّحمن في عاشقٍ ... يأكل تفاح محبيه
فقال لي المأمون: يا علي قل في هذه التفاحة ثلاثة أبيات ولك بكل بيت ألف دينار، فقلت: [البسيط]
تفاحةٌ جرحت بالدّرّ من فيها ... أشهى إليّ من الدّنيا، وما فيها
جاءت بها ظبيةٌ من عند غانية ... نفسي من السوء، والآفات تفديها