للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم، كل مسدول الغدائر غادر ... وكل لطيف الكشح ليس بملطف

ومنها:

ويوم كأن الشمس فيه عليلةٌ ... لها من وراء السجف نظرة مدنف

جمعت الهوى فيه لأبيض ماجد ... أعل ببكر من ثناياه قرقف

وصحب سمت بي همة فصحبتهم ... فمن متلفٍ مالاً وآخر مخلف

ومنها:

ويوم تنادوا من يجير من الردى ... وما لخيول القوم من متصرف

وقفت أبا نصر تكفكف عنهم ... وتطعن بالخطي أشرف موقف

ومنها:

لقاء أعادٍ، وامتطاء مطيهم ... وتقليب هندي، وهز مثقف

أحب إليه من مدام وقينة ... وأحور معشوق الشمائل أهيف

وله:

رب ليلٍ سواده ... كسواد الذوائب

صارمي فيه حاجبي ... والرديني كاتبي

سرت فيه كأنني ... بعض زهر الكواكب

راكباً عزمة الهوى ... أي طرف وراكب

ونهار بياضه ... كبياض الترائب

وهجير يحر قل ... بي لهجر الحبائب

واشتياقي إليك كا ... ن دليلي وصاحبي

وله مما يكتب على سكين:

مطبوعة من شفار ... ومن شبا الأشفار

أعارها فعل عيني ... ك فاتكٌ لا يباري

[١٠٤- أبو يوسف يعقوب بن علي الزبيدي]

من أثمة اللغويين، والعلماء المدرسين، كان حافظاً لأشعار العرب ومعانيها، شارحاً لغريبها ومبانيها: فمن شعره قوله يمدح الأمير عز الدولة الحسن بن ثقة الدولة الكلبي، من قصيدة أولها:

أناملها سلمت أم عنم ... غداة وقفنا بوادي سلم

وهذا الذي لاح لي مبسمٌ ... أم البرق من ثغرها يبتسم

رمتني سلمى بهجرانها ... فهل لي منها وصالٌ أمم

خليلي إن مت من أجلها ... سيحدث بعدي لسلمى ندم

وما غرني غير قولي لها: ... أتحيي قتيلاً؟ فقالت: نعم

فما أتبعت قولها نائلاً ... ولا أذهبت لاعجاً من سقم

وألقت على وجهها برقعاً ... فكنت كمبصرها في الحلم

بنفسي منها مكان اللمى ... وجيد براني كبري القلم

ووجه أنيقٌ يريك الصباح ... وفرعٌ أثيث يريك الظلم

وقال:

متى تنقضي عن ناظريك المدامع ... وهذي ديار من سليمى بلاقع

ولم يبق من سلمى ولا من وصالها ... سوى زائر عند الهجود يطالع

ألا بأبي تلك البراقع تكشر ... وجوه حسان غيبتها البراقع

ضعفت عن الشكوى غداة تحملوا ... فأظهرت البلوى الدموع الهوامع

ألا ليت شعري والزمان مفرقٌ ... أأيامنا بالرقمتين رواجع؟

[١٠٥- أبو يعقوب يوسف بن أحمد الدباغ النحوي]

حافظ لكتب المتقدمين، ومنبه لأسرار المؤلفين، وممن تقدم في زمانه، على أشكاله وأقرانه.

وله مع ذلك شعر صالح، وأكثره في مسائل النحويين. فمن ذلك قوله:

إن هند المليحة الحسناء ... وأي من أضمرت لوأي وفاء

درةٌ في هراكل البحر تحمى ... بصموتٍ سوارةٍ صماء

فأثيبي فتى معنى بسعدى ... وسليمى وأختها أسماء

فعسى أن يكون يحسن من قد ... كان من قبل ذا إلينا أساء

قوله: "إنّ" هو أمر من وأي يئي، إذا وعد. فالنون الثقيلة، كأنه قال:"عدي يا هند المليحة"، ونصب "الحسناء" بإضمار أعني، و"وأي" نصب على المصدر، أي عدي وعد من ينوي الوفاء.

وقوله:

إن كنت تحسب أن الشعر مكرمةٌ ... بها ينال المساعي من له خطر

فانظر إلى العلماء ثم قس بهم ... يبد القياس لك المطلوب والنظر

هل يستوي عندي ذي لب له نظرٌ ... إحدى الفريقين أم هل يستوي الخبر؟

فاصبر على الدرس أيام الشباب ولا ... يذهب بك الوعد حتى ينفد العمر

كم أدرك الناشئ الصبار بغيته ... ودافع الشيخ عما يبتغي الكبر

[١٠٦- أبو القاسم علي بن جعفر بن علي التميمي السعدي [يعرف بابن القطاع]]

مؤلف الكتاب.

مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.

وقال الشعر صبياً سنة ست وأربعين. فمن أول ما قال في الغزل وأضمر اسم "حمزة":

يا من رمى النار في فؤادي ... وأنبط العين بالبكاء

اسمك تصحيفه بقلبي ... وفي ثناياك برء دائي

اردد سلامي فإن نفسي ... لم يبق منها سوى ذماء

وارفق بصب أتى ذليلاً ... قد مزج اليأس بالرجاء

<<  <   >  >>