وَهُوَ أول كتاب كتبه.
أما بعد: " فَإِن حق اللَّهِ على أَئِمَّة الْمُسلمين وخلفائهم الِاجْتِهَاد فِي أقامة دين اللَّهِ الَّذِي استحفظهم، ومواريث النُّبُوَّة الَّتِي أورثهم وَأثر الْعلم الَّذِي استودعهم وَالْعَمَل بِالْحَقِّ فِي رعيتهم والنشمير لطاعة اللَّهِ فيهم، وَالله يسْأَل أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يوفقه لعزيمة الرشد وصريمته والإقساط فِيمَا ولاه اللَّهِ من رَعيته برحمته ومنته.
وَقد عرف أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَن الْجُمْهُور الْأَعْظَم والسواد الْأَكْبَر من حَشْو الرّعية وسفلة الْعَامَّة مِمَّن لَا نظر لَهُ، وَلَا رُؤْيَة وَلَا اسْتِدْلَال لَهُ بِدلَالَة اللَّهِ وهدايته وَلَا استضاء بِنور الْعلم وبرهانه فِي جَمِيع الأقطار والآفاق أهل جَهَالَة بِاللَّه وعمى عَنهُ وضلالة عَن حَقِيقَة دينه وتوحيده وَالْإِيمَان بِهِ، ونكوب عَن واضحات أعلامة وواجب سَبيله، وقصور أَن يقدروا اللَّهِ حق قدره، ويعرفوه كنه مَعْرفَته، ويفرقوا بَينه وَبَين خلقه، بِضعْف آرائهم، وَنقص عُقُولهمْ، وخفائهم عَن التفكير والتذكر، وَذَلِكَ أَنهم ساووا بَين اللَّهِ تبَارك وَتَعَالَى وَبَين مَا أنزل من الْقُرْآن، وأطبقوا مخضعين، وَاتَّفَقُوا غير متجامعين على أَنه قديم أول، لم يخلقه اللَّهِ ويحدثه ويخترعه وَقد قَالَ اللَّهِ تبَارك وَتَعَالَى فِي مُحكم كِتَابه الَّذِي جعله لما فِي الصُّدُور شِفَاء وَلِلْمُؤْمنِينَ هدى وَرَحْمَة: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا} فَكل مَا جعله اللَّهِ فقد خلقه اللَّهِ. وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ) وَقَالَ عز وَجل: {كَذَلِك نقص عَلَيْك من انباء مَا قد سبق} . فَأخْبر أَنه قصَص لأمور أحدثها بعده، وتلابها متقدمها وَقَالَ: {آلر كتاب أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت من لدن حَكِيم خَبِير} وكل مُحكم مفصل فَلهُ مُحكم مفصل. وَالله جلّ وَعز مُحكم كِتَابه ومفصله فَهُوَ خالقه ومبتدعه. ثمَّ هم أُولَئِكَ الَّذين جادلوا بِالْبَاطِلِ إِلَى قَوْلهم، ونسبوا أنفسهم إِلَى السّنة وَفِي كل فصل من كتاب اللَّهِ قصَص من تِلَاوَته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute