ثمَّ قَالَ: أرجعي إِلَيْهِ فأنشديه هَذَا فَإِن شَاءَ بعد فليردك.
قَالَ ابْن أبي طَاهِر اشْترى عبد اللَّهِ بن طَاهِر جَارِيَة المارقي بِخَمْسَة آلَاف دِينَار، وأهداها إِلَى الْمَأْمُون فَلَمَّا أدخلت عَلَيْهِ قَالَ لَهَا: غَنِي يَا جَارِيَة، فغنت وَهِي قَائِمَة. فَقَالَ لَهَا: لم غنيت وَأَنت قَائِمَة، وَمَا مَنعك من الْجُلُوس؟ فَقَالَت يَا سَيِّدي: أَمرتنِي أَن أغْنى وَلم تَأْمُرنِي أَن أَجْلِس فغنيت بِأَمْرك، وكرهت سوء الْأَدَب فِي الْجُلُوس بِغَيْر إذنك. فوهب لَهَا مَالا وَاسْتحْسن ذَلِك من فعلهَا.
وَذكر عَن أبي السمراء قَالَ: كنت يَوْمًا عِنْد أبي الْعَبَّاس عبد اللَّهِ بن طَاهِر رَضِي اللَّهِ عَنهُ وَلَيْسَ فِي الْمجْلس غَيْرِي وَأَنا بِالْقربِ مِنْهُ وَدخل أَبُو الْحُسَيْن إِسْحَاق ابْن إِبْرَاهِيم فأستدناه أَبُو الْعَبَّاس وناجاه شَيْء أعْتَمد إِسْحَاق على سَيْفه وأصغى لمناجاته وحولت وَجْهي وَأَنا ثَابت مَكَاني وطالت النَّجْوَى بَينهمَا وأعترتني حيرة فِيمَا بَين الْقعُود على مَا أَنا عَلَيْهِ أَو الْقيام وَانْقطع مَا كَانَا فِيهِ وَرجع إِسْحَاق إِلَى موقفه وَنظر إِلَى أَبُو الْعَبَّاس فَقَالَ يَا أَبَا السمراء: -
(إِذا النجيان دسا عَنْك أَمرهمَا ... فأرتج بسمعك تجْهَل مَا يَقُولَانِ)
(وَلَا تحملهما ثقلا بخوفهما ... بِهِ تناجيهما فِي الْمجْلس الداني)
قَالَ أَبُو السمراء فَمَا رَأَيْت أكْرم مِنْهُ، وَلَا أرْفق تأديبا ترك مطالبتي فِي هفوتي بِحَق الْأُمَرَاء وادبني أدب النظراء.
وَذكر عَن مُحَمَّد بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن الْكَاتِب: أَنه حضر أَبَا الْعَبَّاس عبد اللَّهِ بن طَاهِر وَعِنْده شيخ من الْفرس فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ فِي عرض كَلَام جرى من حكم الْفرس كلمتان أرويهما. فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس وَمَا هما؟ قَالَ: كَانَت الْفرس تَقول لَا توحش الْحر فَإِن أوحشته فَلَا ترتبطه، وَكَانَت تَقول: أدابنك اللَّهِ تعْمل الشَّرّ فَإِنِّي إِذا رَأَيْتُك عَاملا بِهِ رَأَيْته وَاقعا بك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute