للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَدثنِي مُحَمَّد بن عِيسَى قَالَ: قَالَ لي أَبُو الْعَبَّاس عبد اللَّهِ بن طَاهِر: آفَة الشَّاعِر الْبُخْل قَالَ قلت: وَمَا مِقْدَار بِهِ يبخل الشَّاعِر أعز اللَّهِ الْأَمِير. قَالَ: يَقُول أحدهم من الشّعْر خمسين بَيْتا فيفسده بِبَيْت يبخل يطرحه.

حَدثنِي بعض آل طَاهِر أَن أَبَا الْعَبَّاس عبد اللَّهِ بن طَاهِر لما أَرَادَ الْخُرُوج إِلَى نَاحيَة الشأم لمحاربة نصر بن شبث سَأَلَهُ الْمَأْمُون عَمَّن يسْتَخْلف بِمَدِينَة السَّلَام. فَقَالَ: اسْتخْلف أعو اللَّهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ اليقطيني فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون لَا تخرج هَذَا الْأَمر من أهلك. فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: لَيْسَ فِي أَهلِي من يصلح لخدمة أَمِير الْمُؤمنِينَ: وأرتضيه لَهُ: فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: اسْتخْلف وَنحن نقومه لَك. فَلَمَّا لست أرتضيه، أَو كَمَا قَالَ. فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون: اسْتَخْلَفَهُ وَنحن نقومه لَك. فَلَمَّا انْصَرف عبد اللَّهِ من الشأم ووافي مَدِينَة السَّلَام قَالَ لَهُ الْمَأْمُون يَوْمًا يَا أَبَا الْعَبَّاس: كَيفَ رَأَيْت تقويمنا إِسْحَاق بعْدك.

قَالَ: وَقَالَ الْمَأْمُون يَوْمًا لأَصْحَابه: هَل تعرفُون رجلا برع بِنَفسِهِ حَتَّى مد أَهله، وبرز على جَمِيع أهل دهره فِي نزاهة نَفسه، وَحسن سيرته، وكرم حزبيته فَذكر قوم نَاسا فأطروهم. فَقَالَ: لم أرد هَؤُلَاءِ. فَقَالَ على بن صَالح صَاحب الْمصلى: مَا أعلم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أحدا أكمل هَذِه الْخِصَال إِلَّا عمر بن الْخطاب رَحمَه اللَّهِ. فَقَالَ الْمَأْمُون: اللَّهُمَّ غفرا لم نرد قُريْشًا وَلَا أخلافها. فَأمْسك الْقَوْم جَمِيعًا. فَقَالَ الْمَأْمُون: ذَاك عبد اللَّهِ بن طَاهِر وليته مصر وأموالها جمة فَعرض عَلَيْهِ عبيد اللَّهِ بن السرى من الْأَمْوَال مَا يقصر عَنهُ الْوَصْف كَثْرَة فَمَا تعرض لدينار مِنْهَا وَلَا دِرْهَم، وَمَا خرج عَن مصر إِلَّا بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَثَلَاثَة أَفْرَاس وحمارين وَلكنه غرس يدى وخريج أدبي ولأنشدنكم أبياتا فِي صفته ثمَّ تمثل: -

(حَلِيم مَعَ التَّقْوَى شُجَاع مَعَ الجدا ... ندى حِين لَا يندى السَّحَاب سكوب)

(شَدِيد منَاط الْقلب فِي الْموقف الَّذِي ... بِهِ لقلوب الْعَالمين وجيب)

(ويجلو أمورا لَو تكلّف غَيره ... لمات خفاتا أَو يكَاد يذوب)

<<  <   >  >>