للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعْرِيف كثير من الجليات الَّتِي هِيَ أفعالنا كالخبر أَو صفاتنا الوجدانية كَالْعلمِ والوجود فَكيف إِذا وَقع التَّعْبِير عَن محارات الْعُقُول ومواقفها من أَحْكَام الْقدَم وَالْقَدِيم سُبْحَانَهُ ونعوت جَلَاله الاكبر الاعز الاعظم وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بِهِ من الاسماء والاحكام ثمَّ سَائِر دقائق الْجَوَاهِر والاعراض وغوامض علم الْكَلَام وَمَا لم تعرف الْعُقُول مِنْهُ إِلَّا مُجَرّد الْعبارَات الرائعة والاشارات الغامضة فِي أسرار الاقدار وَالْحكم الْخفية وَتَأْويل المتشابهات الَّتِي تفرد الرب سُبْحَانَهُ بعلمها على الصَّحِيح وَالْجمع بَين المتعارضات والخوض فِي الممنوعات مثل كَلَامهم فِي الرّوح مَعَ توقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ ونزول الْقُرْآن بِمَا يَقْتَضِي الْكَفّ عَنهُ ورعا وأدبا وحياء من الله وَرَسُوله حَتَّى تجاسروا على تَأْوِيل الرّوح بِغَيْر دَلِيل

ومنتهى الامر أَن مَا قَالُوهُ مُحْتَمل فمجرد الِاحْتِمَال لَا يُبِيح الْمَمْنُوع من غير يَقِين مَعَ التساهل وَعدم الِاحْتِرَاز الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي الْحُدُود وَمَعَ اعْتِمَاد الْمجَاز والاستعارات والتورية والاشارات فِي كثير من الْمَوَاضِع على أَن الله تَعَالَى قد حكى فِي كِتَابه من زجر الْمَلَائِكَة عَن الْخَوْض فِي بعض ذَلِك مَا كَانَ فِيهِ كِفَايَة وعبرة حَيْثُ تعرضوا عَلَيْهِم السَّلَام لمعْرِفَة سر الْقدر فِي أَمر وَاحِد وَهُوَ خلق آدم وَذريته بقَوْلهمْ للْملك الْعَزِيز الْعَلِيم الْحَكِيم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك} فقوبلوا من الْخطاب بِمَا لم يكن لَهُم فِي حِسَاب حَتَّى قيل لَهُم {إِن كُنْتُم صَادِقين} فِيمَا خاطبهم بِهِ رب الْعَالمين وَأمرهمْ أَن يَكُونُوا لآدَم ساجدين وَكَانَ إِبْلِيس بِسَبَب تكبره عَن ذَلِك من الْكَافرين وَهَذَا كُله بِسَبَب خوضهم فِي السِّرّ الْمَمْنُوع والامر المحجوب وَكَذَلِكَ مُوسَى الكليم عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم وَهُوَ المقرب نجيا والوجيه عِنْد الله نصا جليا لما تعرض لما لَيْسَ من شَأْنه من علم السِّرّ الَّذِي هُوَ تَأْوِيل الْمُتَشَابه نزل إِلَى مقَام السَّائِل المحروم والمخطئ المكظوم وَقطع على خطا الْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام فِي مَوضِع كَانَ يجب عَلَيْهِ الْقطع فِيهِ بتصويبه لما تقدم من أَخْبَار الله تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ أعلم مِنْهُ وسؤاله لقاءه وإجابته دَعوته

<<  <   >  >>