وَقد صَحَّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي ذَلِك الْعَصْر الأول حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعاءين أما أَحدهمَا فبثثته فِي النَّاس وَأما الآخر فَلَو أبثه لقطع هَذَا البلعوم وَمَا زَالَ الْأَمر فِي ذَلِك يتفاحش وَقد صرح الْغَزالِيّ بذلك فِي خطْبَة الْمَقْصد الاسنى ولوح بمخالفته أَصْحَابه فِيهَا كَمَا صرح بذلك فِي شرح الرَّحْمَن الرَّحِيم فَأثْبت حِكْمَة الله وَرَحمته وجود الْكَلَام فِي ذَلِك وَظن أَنهم لَا يفهمون الْمُخَالفَة لَان شرح هذَيْن الاسمين لَيْسَ هُوَ مَوضِع هَذِه الْمَسْأَلَة وَلذَلِك طوى ذَلِك وَاضْرِبْ عَنهُ فِي مَوْضِعه وَهُوَ اسْم الضار كَمَا يعرف ذَلِك أذكياء النظار
وَأَشَارَ إِلَى التقية الْجُوَيْنِيّ فِي مُقَدمَات الْبُرْهَان فِي مَسْأَلَة قدم الْقُرْآن والرازي فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالاربعين فِي أصُول الدّين فِي الْكَلَام على تَأْثِير الْوَصْف العدمي فِي دَلِيل الاكوان وَصرح بالمخالفة فِي ذَلِك فِي الْمَحْصُول فِي بَاب الْقيَاس لأَنهم يتسامحون فِي الْمُخَالفَة فِي الاصول الْفِقْهِيَّة دون الاصول الدِّينِيَّة وتراه يُشِير فِي نِهَايَة الْعُقُول الاشارة الْخفية الى مخالفتهم كَمَا صنع فِي دَلِيل الاكوان بعد الِاحْتِجَاج فِي تماثيل الاجسام على ان الجسمية أَمر مُشْتَرك حَيْثُ قَالَ وَفِي هَذَا الْكَلَام نظر لم يزدْ على هَذَا وَقد أَشَارَ الى انه رَاجع الى أَن مَا لَا دَلِيل عَلَيْهِ يجب نَفْيه وَقد بَالغ فِي بُطْلَانه كَمَا أوضحته فِي العواصم وَقد طول فِي مُقَدمَات النِّهَايَة فِي ابطال هَذِه الطَّرِيقَة فَتَأمل أَمْثَال ذَلِك مِنْهُ
وَفِي صَحِيح البُخَارِيّ بَاب كَيفَ يقبض الْعلم وَكتب عمر بن عبد الْعَزِيز إِلَى أبي بكر بن حزم انْظُر مَا كَانَ من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكتبه فانى أَخَاف دروس الْعلم وَذَهَاب الْعلمَاء وَلَا يقبل إِلَّا حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وليفشوا الْعلم وليجلسوا حَتَّى يعلم من لَا يعلم فان الْعلم لَا يهْلك حَتَّى يكون سرا وَأورد فِيهِ حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا ان الله لَا يقبض الْعلم انتزاعا ينتزعه من الْعباد وَإِنَّمَا يقبض الْعلم بِقَبض الْعلمَاء حَتَّى إِذا لم يبْق عَالما اتخذ النَّاس رُؤَسَاء جُهَّالًا فسئلوا فأفتوا بِغَيْر علم فضلوا وأضلوا
قَالَ ابْن بطال معنى قَوْله ان الله لَا ينتزع الْعلم من الْعباد انه لَا يهب لَهُم الْعلم ثمَّ ينتزعه بعد أَن تفضل بِهِ عَلَيْهِم وانه يتعالى عَن ان يسترجع مَا وهب لَهُم من علمه الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى مَعْرفَته والايمان بِهِ وانما يكون قبض