الْمثل الْأَعْلَى وَكَيف تجْعَل أَفعَال أحكم الْحَاكِمين أنقص رُتْبَة فِي خلوها عَن الْحِكْمَة وَأبْعد عَنْهَا من مرتبَة أَفعَال الصّبيان والمجانين والساهين
وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنهم جعلوها أنقص فِي ذَلِك لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنهم قطعُوا بخلوها كلهَا عَن كل حِكْمَة وداع وَسبب وَمنعُوا أَن تكون أَفعاله كلهَا أرجح من أضدادها إِلَّا فِي الاقوال فأوجبوا الصدْق فِي أَقْوَال الله تَعَالَى وَمنعُوا ضِدّه وَهُوَ الْكَذِب ولزمهم بذلك الْمُوَافقَة على ثُبُوت مثل ذَلِك فِي الافعال إِذْ لم يفرقُوا بَين الْأَفْعَال والأقوال بِحجَّة بَيِّنَة وَلَكِن خَافُوا من تَجْوِيز الْكَذِب على الله صَرِيح الْكفْر وَإِنَّمَا الاقوال نوع من الْأَعْمَال
وَقد أَجمعت الامة على دُخُول الاقوال والاعمال فِي الْوَعْد والوعيد على الاعمال وَفِي الصَّحِيح أَن أفضل الْعلم شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْعُمْدَة أَنه لَا تردد فِي دُخُول الاقوال فِي حَدِيث (الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ) وأمثال ذَلِك كَثِيرَة جدا هَذَا فِي اللُّغَة وَالنَّص والاجماع وَأما الْعقل فَلَا ريب فِي تساويهما فِي ذَلِك فَمَا بالهم أوجبوا صِيَانة الاقوال الربانية عَن النقائص وَأما فِي الْأَفْعَال الربانية فحكموا بِأَنَّهُ تَعَالَى لَو عكس الحكم فِي جَمِيع أوامره العادلة الْمصلحَة الحكيمة فِي شرائعه وَأَحْكَامه فِي الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ فِي يَوْم الْقِيَامَة أَو عذب الْأَنْبِيَاء والأولياء وأهانهم وأخزاهم بذنوب غَيرهم ثمَّ أَدخل أعداءه وأعداءهم الْجنَّة بحسناتهم واكرامهم وعظمهم مَا كَانَ هَذَا الْحَال عَلَيْهِ بأبعد عَن حكمته ومحامدة فِي الْعقل والسمع مِمَّا هُوَ فَاعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِمَّا تمدح بِهِ وَسَماهُ حَقًا وعدلا وَحِكْمَة وصوابا وتمدح لذَلِك بِأَنَّهُ لَا معقب لحكمه وَلَا مبدل لكلماته وَبِأَنَّهُ إِذا بدل آيَة مَكَان آيَة لَا يبدلها إِلَّا بِمَا هُوَ خير مِنْهَا أَو مثلهَا فزعموا أَن التَّسْوِيَة بَين أَحْكَامه وأضدادها هُوَ مُقْتَضى الْعُقُول والشرائع لَكِن الشَّرَائِع وَردت بالْخبر عَن وُقُوع أحد الجائزين المتماثلين فِي الْحِكْمَة مثل تماثلهما فِي الْقُدْرَة بل المتماثلين فِي الْقُدْرَة بِلَا حِكْمَة عِنْدهم إِلَّا الصدْق فِي الْخَبَر فَوَاجِب وَحده فانا لله إِن كَانَت ذهبت الْعُقُول فَأَيْنَ الْحيَاء من الله تَعَالَى وَكتبه وَرُسُله وَالْمُسْلِمين
وَمن الْعجب ظنهم أَن هَذَا كُله جَائِز عَلَيْهِ فِي أَفعاله عقلا وَلَا يجوز فِي أَقْوَاله عقلا أدنى نقص وَلَا لغب وَهُوَ كَمَا قَالُوا فِي الْأَقْوَال لَكِن الصَّوَاب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute