للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صِيَانة أَفعاله كأقواله من الاهمال بل إهمال الافعال من الْحِكْمَة أضرّ وأقبح من إهمال الْأَقْوَال وَكم بَين التخليد فِي عَذَاب جَهَنَّم بِلَا ذَنْب بل بذنب الْغَيْر وَبَين الْخلف فِي وعد بمثوبة عِنْد جَمِيع الْعُقَلَاء فَمن لم يجز عَلَيْهِ هَذَا الْخلف كَيفَ يجوز عَلَيْهِ ذَلِك التعسف

وَثَانِيهمَا أَنهم جعلُوا صُدُور الافعال مِنْهُ تَعَالَى عَن حِكْمَة محالا عَلَيْهِ غير مُمكن لَهُ وَلَا دَاخل فِي مقدوره كاحالة الْأكل وَالشرب عَلَيْهِ وصدورها عَن حِكْمَة غير محَال فِي حق الصّبيان والمجانين والغافلين والنائمين والمفسدين عِنْد الْجَمِيع بل يلْزمهُم أَن الله تَعَالَى عَن ذَلِك علوا كَبِيرا لَو عكس الصدْق وَالْحق وَبعث الْكَاذِبين المفسدين وأيدهم بالمعجزات مَا كَانَ أولى من عكس ذَلِك وَلم ينفصلوا عَن هَذَا الالزام بِوَجْه بَين وَإِنَّمَا خرموا قاعدتهم فِيهِ خوفًا من صَرِيح الْكفْر فَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا يمْتَنع الْكَذِب فِي كَلَام الله تَعَالَى لِأَنَّهُ قديم وَهَذَا قد جوز أَن الْكَذِب من حَيْثُ هُوَ كذب قَبِيح لكنه مَعَ ذَلِك نسب إِلَى الله تَعَالَى عدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ فَجمع بَين تجويزه نقصين نقص الْكَذِب لَو دخل فِي قدرَة الله تَعَالَى وَنقص الْعَجز عَنهُ تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا

وَلذَلِك أبْطلهُ الرَّازِيّ بِأَن الْقدَم يخْتَص الْكَلَام النَّفْسِيّ لَا الْأَصْوَات عِنْدهم وَقَالَ الرَّازِيّ إِنَّمَا يمْتَنع الْكَذِب على الله تَعَالَى لِأَن صفة النَّقْص لَا تجوز على الله تَعَالَى وَهَذَا كَلَام صَحِيح لَكِن كَون الْكَذِب صفة نقص اعْتِرَاف بالتحسين والتقبيح وَثُبُوت الْحِكْمَة عقلا وَإِذا وَقع الاجماع على أَن الْكَذِب صفة نقص وعَلى أَنه إِنَّمَا امْتنع على الله لكَونه صفة نقص فَكَذَلِك تَعْذِيب الانبياء بذنوب أعدائهم وإثابة أعدائهم بحسناتهم فِي يَوْم الْقِيَامَة وَيَوْم الدّين وَالْحق وَالْعدْل فانه محَال على الله تَعَالَى عقلا وسمعا من الْجِهَة الَّتِي اسْتَحَالَ عَلَيْهِ الْكَذِب مِنْهَا وَمن زعم أَن بَينهمَا فرقا فِي النَّقْص على الْعدْل الْحَكِيم فقد أبطل وَالله يحب الانصاف على أَن بعثة الرُّسُل الصَّادِقين دون الْكَذَّابين من محسنات الافعال الَّتِي نازعوا فِيهَا وَلَيْسَت من صدق الاقوال الَّذِي أوجبوه فلزمهم تَجْوِيز بعثة الْكَذَّابين وتأييدهم بالمعجزات وَلذَلِك لما قرر هَذَا بعض أَئِمَّة المعقولات مِنْهُم لم ينْفَصل عَنهُ إِلَّا بالزام

<<  <   >  >>