للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خصومهم مثله وَترك ذَلِك كَذَلِك غنيمَة بَارِدَة للزنادقة والملاحدة مَتى وقفُوا عَلَيْهِ أَو ظفروا بِهِ وَالله الْمُسْتَعَان

وَقد أَجمعت الامة وَعلم من الدّين ضَرُورَة أَن الله تَعَالَى تمدح بِأَنَّهُ الْملك الحميد وَإِلَى هذَيْن الاسمين الشريفين ترجع متفرقات أَسْمَائِهِ الْحسنى فَمَا كَانَ مِنْهَا يَقْتَضِي كَمَال الْعِزَّة وَالْقُدْرَة والجبروت والاستقلال والجلال دخل فِي اسْم الْملك وَعَاد اليه وَمَا كَانَ مِنْهَا يَقْتَضِي الْجُود وَالرَّحْمَة واللطف والصدق وَالْعدْل وكشف الضّر وأمثال ذَلِك من الممادح دخل فِي اسْم الحميد وَعَاد اليه وَرُبمَا عبر عَنْهُمَا بِمَا رادفهما أَو أَحدهمَا مثل قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الثَّنَاء وَالْمجد وَقَوله إِنَّك حميد مجيد فان الْمجد هُوَ الْملك وَالثنَاء هُوَ الْحَمد فَمن النَّاس من نظر إِلَى اسْم الْملك فَعَظمهُ ووفاه حَقه بِالنّظرِ إِلَى معارف الْبشر وَقصر فِي اسْم الحميد وَمَعْنَاهُ بِنَفْي الْحِكْمَة عَن أَفعاله كلهَا كَمَا أَن من النَّاس من عكس فَبَالغ فِي اسْم الحميد وَقصر فِي تَعْظِيم ملكه وَقدرته وعزته فَلم يَجْعَل لَهُ قدرَة على اللطف بِعَبْد وَاحِد من جَمِيع عباده العصاة كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَة الْمَشِيئَة وَجَمِيع أَئِمَّة الاسلام العارفين جمعُوا بَين تَعْظِيم هذَيْن الاسمين الشريفين ووفوا كل وَاحِد مِنْهُمَا حَقه على حسب قوى الْبشر فِي ذَلِك وَمِمَّا قلته فِي ذَلِك فِي الاجادة

(فَمن قَاصد تنزيهه لَو رعى لَهُ ... من الجبروت الْحق عز التعاظم)

(وَمن قَاصد تَعْظِيمه لَو رعى لَهُ ... محامد ممدوح بِأَحْكَم حَاكم)

(وحافظ كل العارفين عَلَيْهِمَا ... وَهَذَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم لقائم)

ذَلِك أَن اسْم الْملك يَقْتَضِي تفرده بالخلق والامر والعزة وَعلم الغيوب وَالْقُدْرَة على كل شَيْء ثمَّ أَن الْكَمَال الاعظم فِي ذَلِك كُله يَقْتَضِي نُفُوذ الْمَشِيئَة وَسبق الْقَضَاء من غير جبر كَيْلا يفوت عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ مُرَاد واسْمه الحميد يَقْتَضِي كَمَال الْحَمد وَالْعدْل وَالْحكمَة وَالْفضل والصدق والجود وَالثنَاء وَالتَّسْبِيح وَالتَّقْدِيس ثمَّ أَن الْكَمَال الْأَعْظَم فِي ذَلِك كُله يَقْتَضِي أوفر نصيب لأفعاله الحميدة وَأَحْكَامه العادلة من التَّنْزِيه عَن اللّعب والعبث والخلو عَن الْحِكْمَة والمساواة بَينهَا وَبَين أضدادها وَهَذَا مَا لَا شُبْهَة

<<  <   >  >>