للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يعلم تَأْوِيله هُوَ عَادَة جَمِيع الْكَافرين الاولين والآخرين وان سَبَب كفرهم وتكذيبهم بِهِ إِنَّمَا هُوَ جهلهم وَعدم احاطتهم بِعِلْمِهِ فليحذر ذَلِك كل الحذر فان طباع الْخلق وَاحِدَة إِلَّا مَا سلم الله تَعَالَى نسْأَل الله الْهِدَايَة والسلامة

فعلى هَذَا يكون الايمان بِهِ أفضل الايمان بل محك أهل الْيَقِين والاحسان وَيكون الْخَوْف على المرتابين بِسَبَبِهِ من مكر الله خوفًا عَظِيما نسْأَل الله أَن يثبتنا وَلذَلِك خص الله الراسخين بالاستعاذة من الزيغ بعد ذكر إِيمَانهم بالمتشابه كَأَن ذكره ذكرهم ذَلِك فليطلب الْعَاقِل من طبعه اللجوج وَنَفسه الجاهلة المهلة الْيَسِيرَة حَتَّى ينْكَشف فِي الْآخِرَة ذَلِك التَّأْوِيل كَمَا انْكَشَفَ لمُوسَى تَأْوِيل الْخضر بعد الْقطع على بُطْلَانه أَلا ترى إِذا رَأَيْت رجلا مطيقا يضْرب ولدا ضَعِيفا ضربا مؤلما أَنه أول مَا يسْبق إِلَى طبعك رَحْمَة الصَّغِير والانكار على الْكَبِير حَتَّى تعلم أَن الْكَبِير أَبُو ذَلِك الْمَضْرُوب وَأَنه ساع فِي صَلَاحه وخبير بِهِ فيزول عَنْك مَا كَانَ سبق إِلَى طبعك

وَقد جود هَذَا الْوَجْه الشَّيْخ مُخْتَار المعتزلي فِي كِتَابه الْمُجْتَبى وَفِي الْبَحْث السَّادِس من مَسْأَلَة الارادة تَمام لهَذَا فِيهِ تَقْرِير وُرُود السّمع بِأَن الله تَعَالَى فِي جَزَاء الاشقياء حجَّتَيْنِ حجَّة ظَاهِرَة وَهِي الْعَمَل وَحجَّة خُفْيَة وَهِي الْحِكْمَة الباعثة على الْجَزَاء دون الْعَفو ثمَّ أَن تَأْوِيل الْخضر لمُوسَى دلّ على أَن تَأْوِيل الْمُتَشَابه يرجع إِلَى رده إِلَى الْمُحكم الَّذِي تُحسنهُ الْعُقُول وَلَا تنكره وَهُوَ جلب الْمَنَافِع والمصالح وَدفع المضار والمفاسد وَيدل على لُزُوم هَذَا فِي التَّأْوِيل أَنه لَو ورد بِخِلَافِهِ كَانَ متشابها آخر يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل وَلم يسْتَحق اسْم التَّأْوِيل وَهَذِه حجَّة قَاطِعَة وَللَّه الْحَمد

وَاعْلَم أَن الطَّبْع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غَالب بقوته على من لم يُعَارضهُ بتذكر كَمَال الربوبية وَنقص الْعُبُودِيَّة ويتضرع إِلَى الله فِي امداده بهدايته أَلا ترى إِلَى قَوْله تَعَالَى بعد ذكره لتحويل الْقبْلَة {وَإِن كَانَت لكبيرة إِلَّا على الَّذين هدى الله} نسْأَل الله هدايته وَإِن لَا يكلنا إِلَى نفوسنا طرفَة عين

<<  <   >  >>