{فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} وَثَانِيهمَا فِي تَجْوِيز ان الله يفعل تِلْكَ الصُّور الشنيعة الْفَاحِشَة الشناعة وَأَنا أذكر من ذَلِك صُورَة وَاحِدَة قد ختم بهَا هَذَا الشَّيْخ المدقق كَلَامه فَجعل ثَوَاب الله الْعَظِيم على فقر عباده وبلائهم بِمَنْزِلَة رجل يقْلع عَيْني فَقير مِسْكين مجذوم مَقْطُوع الاطراف ليطعمه لقْمَة وَاحِدَة فاساء الْأَدَب وأبطل فِي الْمثل وَللَّه الْمثل الاعلى والأسماء الْحسنى وَالله تَعَالَى جعل ثَوَاب العَبْد على ذهَاب بَصَره الخلود الَّذِي لَا آخر لَهُ فِي نعيم الْجنان الَّذِي لَا مثل لَهُ بِحَيْثُ ان من غمس غمسة وَاحِدَة فِيهِ من أهل الْبلَاء يُقَال لَهُ هَل رَأَيْت بؤسا قطّ فَيَقُول مَا رَأَيْت بؤسا قطّ فَهَذَا فِي أول غمسة كَيفَ فِي الدَّوَام الابدي فِيمَا لَا عين رَأَتْ وَلَا اذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتدر مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا
وكل عَاقل يشترى هَذَا بَان يقطع إربا أربا فِي كل حِين وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} الْآيَة وَورد فِي البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس أَنه لَا يحب الرُّجُوع الى الدُّنْيَا أحد من أهل الْجنَّة الا الشَّهِيد فانه يحب أَن يعود فَيقْتل عشر مَرَّات لما رأى من عَظِيم الْأجر على الشَّهَادَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث ولوددت أَنِّي أقتل فِي سَبِيل الله ثمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل ثمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل ثمَّ أَحْيَا ثمَّ أقتل رَوَاهُ البُخَارِيّ وَهَذَا لَفظه وَمُسلم وَمَالك وَغَيرهم وَفِي صَحِيح مُسلم ان الله ليغفر للْعَبد بالشربة يشْربهَا فيشكر عَلَيْهَا والأكلة يأكلها فيشكر عَلَيْهَا وَفِيه ان سُبْحَانَ الله نصف الْمِيزَان وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله يملآن مَا مَا بَين السَّمَوَات والارض
فَهَذَا بعض مَا صَحَّ ويسير من كثير بل قَطْرَة من بحار فضل الله الْعَظِيم الَّذِي لَا يقدر بِمِقْدَار وَلَا تمده لَو كتب الانهار وَلَا الْبحار فَكيف بِقدر لقْمَة وَاحِدَة يطْعمهَا فَقير مِسْكين حيران لقلع عَيْنَيْهِ