للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تَعَالَى {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} وَثَانِيهمَا ان قوما من الجهلة الاتحادية قد ظنُّوا قَول بعض الاشعرية ان الْمعاصِي مُرَادة وَالْمرَاد فِي قُوَّة المحبوب فَهِيَ محبوبة مرضية على الْحَقِيقَة فزادوا على هَذَا انه يَسْتَحِيل فِي المُرَاد المحبوب ان يكون مَعْصِيّة لمن أَرَادَهُ وأحبه فزعموا انه لَا يَصح وجود مَعْصِيّة لله وان معنى {سابقوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} أَي الى الْكَبَائِر وَالْفَوَاحِش لَان الْمَغْفِرَة لَا تتمّ إِلَّا بذلك وَكَانَ بَعضهم يَقُول كفرت بِرَبّ يعْصى وَأنْشد بَعضهم فِي ذَلِك

(أَصبَحت منفعلا لما تختاره ... مني ففعلي كُله طاعات)

وَهَذَا إلحاد فِي الدّين صَرِيح وانما وَقع فِيهِ أَهله من ترك عِبَارَات الْكتاب وَالسّنة وتبديلها بِمَا ظنوه مثلهَا وَلَيْسَ مثلهَا

والسر فِي ذَلِك أَن المُرَاد الْمُطلق هُوَ المُرَاد لنَفسِهِ من جَمِيع الْوُجُوه الَّذِي لَا يكره من وَجه قطّ والمعاصي لَيست من هَذَا بالاجماع فان كَرَاهَة الْمُكَلّفين لَهَا وَاجِبَة وفَاقا مَعَ وجوب الرضى عَلَيْهِم بِقَضَاء الله تَعَالَى ولان الله تَعَالَى يكره الْمعاصِي بِالنَّصِّ فَلم تكن الْمعاصِي من هَذَا الْجِنْس من المرادات وَلَكِن الَّذين قَالُوا انها مُرَادة وَالْمرَاد بهَا غَيره عنوا نوعا آخر من المرادات الَّتِي يُرَاد لغيره وَيكرهُ لنَفسِهِ فَهُوَ مَكْرُوه حَقِيقَة وَالْمرَاد بِهِ غير كاليمين الْغمُوس كَمَا يَأْتِي وَلما لم يوضحوا ذَلِك دَائِما ويكثروا من ذكره وَبَيَانه أوهموا عَلَيْهِ الْخَطَأ وَلذَلِك لم يرد السّمع بذلك أَلا نصا وَلَا نَص عَلَيْهِ السّلف الصَّالح أَلا ترى ان إِرَادَة الْقَبِيح لَيست صفة مدح بالاجماع بِخِلَاف مَا ورد السّمع بِهِ من نُفُوذ الْمَشِيئَة فِي كل شَيْء

وَقد نَص أَئِمَّة الاشعرية أَن الله تَعَالَى لَا يُوصف بِصفة نقص وَلَا بِصفة لَا مدح فِيهَا وَلَا نقص فارادة الْقَبِيح لغير وَجه حسن ان لم تكن نقصا كَانَت مِمَّا لَا مدح فِيهِ قطعا فَيجب ان لَا يُوصف بهَا الرب عز وَجل على قَوَاعِد الْجَمِيع

<<  <   >  >>