للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

خير لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اضعافه من الْخيرَات وَلَو أُرِيد لنَفسِهِ كَانَ صَحِيحا

فاذا تقرر هَذَا فَاعْلَم أَن تِلْكَ الْآيَات فِي قُوَّة التمدح بِكَمَال الْقُدْرَة لَا بارادة القبائح ومرادنا بِالْقُوَّةِ هُنَا هُوَ مَا سيقت لافادته وَهُوَ الْمَعْنى اللّغَوِيّ الَّذِي يُسَمِّيه أهل الْمعَانِي دلَالَة الْمُطَابقَة فقد وهم من ظن أَنَّهَا فِي قُوَّة أَن القبائح مُرَادة لله تَعَالَى وأفحش مِنْهُ غَلطا من ظن أَنَّهَا مُرَادة لله تَعَالَى وَأَن المرادة فِي قُوَّة المحبوب فاطلق القَوْل بِأَن الْمعاصِي محبوبة لله تَعَالَى

فَأَما أهل الْآثَار فَلَا يَقُول بِهَذَا مِنْهُم أحد لِأَن الْمحبَّة عِنْدهم غير الارادة حَقِيقَة وَلَا يُطلق أَحدهمَا حَيْثُ يُطلق الآخر إِلَّا بِدَلِيل خَاص

وَأما بعض الأشعرية فقد أجَاز ذَلِك بِنَاء على أَنه مجَاز لِأَن الْمحبَّة عِنْدهم لَا تجوز على الله تَعَالَى إِلَّا مجَازًا كَمَا تَقوله الْمُعْتَزلَة وَهَذَا وَإِن كَانَ أَهْون فِي الْقبْح إِلَّا أَنه خطأ وقبيح لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن شَرط الْمجَاز هُنَا مَفْقُود وَهُوَ العلاقة المسوغة الْمُقْتَضِيَة للتشابه وَلَوْلَا ذَلِك لصَحَّ تَسْمِيَة الْبَخِيل غيثا وبحرا كالجواد والجبان أسدا كالشجاع يُوضحهُ أَن الْمعاصِي مسخوطة من حَيْثُ كَانَت معاصي بالاجماع وَأَهْلهَا إِنَّمَا يغْضب الله عَلَيْهِم من هَذِه الْجِهَة المسخوطة فَلَا يَصح أَن تكون الْمعاصِي مرضية محبوبة مجَازًا من هَذِه الْجِهَة بِعَينهَا قطعا باجماع من يعرف الْمجَاز وشروطه المخرجة لَهُ عَن الْكَذِب والمناقضة وتجويز ذَلِك خُرُوج عَن قانون اللُّغَة وتجويزه يُؤَدِّي إِلَى تَجْوِيز مجازات الْمَلَاحِدَة

وَقد أَخطَأ من روى عَنْهُم ذَلِك على الاطلاق وَلم يُقَيِّدهُ بانه مجَاز عِنْدهم وَمن أَخطَأ فِي رِوَايَة ذَلِك مِنْهُم افحش غَلطا فِي الْخَطَأ والغلط مِمَّن رَوَاهُ من خصومهم وَهَذَا مَعَ دقته قد وَقع فِيهِ بعض الْمُعْتَزلَة بل علامتهم فِي علم البلاغة والادب الزَّمَخْشَرِيّ وَلذَلِك زعم فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة أمرنَا مُتْرَفِيهَا ففسقوا فِيهَا} أَي أمرناهم بِالْفِسْقِ مجَازًا فالامر بِالْفِسْقِ مجَازًا أبعد من الرِّضَا بِهِ مجَازًا وَغلط الزَّمَخْشَرِيّ فِيهِ بَينته فِي العواصم وَالْمُخْتَار فِيهِ أمرناهم بالتكليف على السّنة الرُّسُل كَقَوْلِه

<<  <   >  >>