للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عِنْدهم منزلَة غَرَض الْغَرَض وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ تَحْقِيق مَذْهَبهم لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن كثيرا مِنْهُم لَا يجيزون الاغراض على الله تَعَالَى كَمَا ذكر فِي مَسْأَلَة الْحِكْمَة وَثَانِيهمَا أَن غَرَض الْغَرَض لَا يكون إِلَّا خيرا مَحْضا كالحياة فِي الْقصاص والعافية فِي الفصاد والقبائح أَو وُقُوعهَا لَا يَصح أَن يكون غَرَض الْغَرَض لحكيم قطّ كَيفَ أحكم الْحَاكِمين فلابد أَن يكون غَرَض الْغَرَض فِي عدم اللطف الزَّائِد بالعصاة هُوَ خير مَحْض وَهُوَ تَأْوِيل الْمُتَشَابه الَّذِي لَا يُعلمهُ على التَّفْصِيل إِلَّا الله على الصَّحِيح كَمَا تقدم فِي مُقَدمَات هَذَا الْمُخْتَصر

وَمِثَال الْغَرَض الأول قَول الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام فَأَرَدْت أَن أعيبها وغرض الْغَرَض هُوَ سلامتها لأَهْلهَا من أَخذ الْملك لَهَا وَمن أدب الْخضر عَلَيْهِ أفضل السَّلَام إِضَافَة هَذَا الْغَرَض لنَفسِهِ دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

وَمِثَال غَرَض الْغَرَض هُوَ مَا أَضَافَهُ الْخضر إِلَى ربه تَعَالَى حَيْثُ قَالَ {فَأَرَادَ رَبك أَن يبلغَا أشدهما ويستخرجا كنزهما} ومثاله أَيْضا مَا ثَبت فِي الصَّحِيح عَن أبي أَيُّوب وَأبي هُرَيْرَة كِلَاهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم وَله شَوَاهِد عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة فَلم يَجْعَل الذُّنُوب القبيحة غَرَض الْغَرَض بل جعله مغفرتها بالاستغفار وَمن لَا يغْفر لَهُ فقد دلّ الْقُرْآن على أَن غَرَض الْغَرَض فِي عَذَابه الانتصاف للْمُؤْمِنين من أعدائهم الْكَافرين وَنَحْو ذَلِك من الْمصَالح والعواقب الحميدة كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَالْمرَاد الْمُحَقق هُوَ غَرَض الْغَرَض وَهُوَ الثَّانِي فِي الْوُقُوع وَالْأول فِي الارادة أَلا ترى أَن أول مَا وَقع فِي همة الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام سَلامَة السَّفِينَة ثمَّ عابها لتسلم فَالْمُرَاد الْمُحَقق هُوَ سلامتها لَا عيبها فَاعْتبر ذَلِك فِي جَمِيع الْمُتَشَابه من هَذَا الْجِنْس تَجدهُ بَينا وَاضحا وَللَّه الْحَمد

فَهَذَا كُله إِذا ثَبت أَن شَيْئا من الشَّرّ مُرَاد فانه لَا يجوز أَن يكون الشَّرّ مُرَاد الْحَكِيم لكَونه شرا فَقَط وَأما الْخَيْر فيراد لنَفسِهِ لَا لشَيْء آخر فَلَا يلْزم فِيهِ غَرَض الْغَرَض وَإِن جَازَ من غير لُزُوم لزِيَادَة الْخَيْر مثل أَن يُرَاد

<<  <   >  >>