للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الاول أَنَّهَا فِي الْكَافرين الَّذين قد غيروا الْفطْرَة واستحقوا الْعقُوبَة بالخذلان وسلب الالطاف فَهِيَ كَقَوْلِه تَعَالَى {صم بكم عمي فهم لَا يرجعُونَ} وَنَحْوهَا وكلامنا إِنَّمَا هُوَ فِي الْمُكَلف فِي أول أَحْوَال تَكْلِيفه وابتلائه وَهَذَا بَين

الثَّانِي أَنَّهَا خبر عَن صفتهمْ الَّتِي هم عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهَا نفي قدرَة الله تَعَالَى على تَغْيِير صفتهمْ بالطافه الْخفية وَهُوَ اللَّطِيف لما يَشَاء الْقَائِل {قل كونُوا حِجَارَة أَو حديدا} الْآيَة المتمدح بِأَنَّهُ لَو شَاءَ لجعل مِنْهُم مَلَائِكَة وَجعل النَّاس أمة وَاحِدَة وَنَحْو ذَلِك وَالْآيَة تَقْتَضِي أَن الله مَا علم فيهم خَبرا لَا أَنه مَا علم أَنه يقدر على هدايتهم وَكم بَين الْأَمريْنِ وَأَيْنَ أَحدهمَا من الآخر

الثَّالِث أَن الْآيَة لَهُم فَيجب حملهَا على مَا يرجع إِلَى كسبهم الِاخْتِيَارِيّ من الاصرار والعناد الَّذِي يسْتَحقُّونَ الذَّم عَلَيْهِ لَا على مَا يرجع إِلَى خلقتهمْ الَّتِي هِيَ فعل الله تَعَالَى يغيرها كَيفَ يَشَاء وَلَا ذمّ عَلَيْهِم فِيهَا جمعا بَينهمَا وَبَين جَمِيع مَا تقدم من نَحْو قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ الَّذين اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى وَالْعَذَاب بالمغفرة} وَقَوله تَعَالَى {فَلَمَّا زاغوا أزاغ الله قُلُوبهم} وَقد مر مُسْتَوفى

الرَّابِع سلمنَا أَن الْآيَة تحْتَمل مَا ظنُّوا وَمَا ذكرنَا يمْتَنع لَكِن مَا ذَكرُوهُ بِسَائِر الْآيَات المبينات لقدرة الله تَعَالَى على كل شَيْء ولكونه مَا يضل إِلَّا الْفَاسِقين ولكونه خلق الْخلق على الْفطْرَة حَتَّى غَيرهم آباؤهم وَلَا يجوز الْعُدُول عَن هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة الْبَيِّنَة بِمُجَرَّد احْتِمَال لَا حجَّة عَلَيْهِ وَالله أعلم

وَهنا ظن بعض الأشعرية أَن الْآيَات الَّتِي فِي نُفُوذ الْمَشِيئَة فِي قُوَّة أَن الله تَعَالَى مُرِيد للموجودات بأسرها سَوَاء كَانَت حَسَنَة أَو قبيحة وَأَنه غير مُرِيد لما لم يُوجد سَوَاء كَانَ حسنا أَو قبيحا وَلَيْسَ هُوَ تَحْقِيق مَذْهَبهم كَمَا أَن عدم قدرَة الرب على اللطف بالعصاة لَيْسَ هُوَ تَحْقِيق مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَإِنَّمَا قَالَ بعض الاشعرية الْمعاصِي مُرَادة مجَازًا لَا حَقِيقَة عِنْدهم يَعْنِي أَن أَسبَابهَا الَّتِي هِيَ أَفعَال الله تَعَالَى مُرَادة لله تَعَالَى مثل الْقُدْرَة والدواعي فتنزلت الْمعاصِي

<<  <   >  >>