للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَنسبَة تقديرها إِلَى الله تَعَالَى هَذِه مُعَارضَة خَاصَّة من الْجَانِبَيْنِ ثمَّ مُعَارضَة أُخْرَى وَهِي نِسْبَة أَفعَال الْعباد بخصوصها اليهم ونسبتها إِلَى الله تَعَالَى مدرجة فِي عمومات أَن الله تَعَالَى خَالق كل شَيْء وَرُبمَا تتوهم بَعضهم النصوصية فِي قَوْله تَعَالَى {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا سَيَأْتِي فتعارضت عِنْدهم الدَّلَائِل السمعية وَكَذَلِكَ الأنظار الْعَقْلِيَّة فان وقُوف الافعال على الدَّوَاعِي مَعْلُوم صَحِيح الْبُرْهَان بل وفاقي على الصَّحِيح وَهُوَ دَلِيل الْمُعْتَزلَة على أَن الله تَعَالَى عدل لَا يفعل الْقَبِيح والدواعي هِيَ الْعُلُوم بالمصالح وَالْمَنَافِع والمضار والظنون لذَلِك والشهوة والنفرة والمرجع بهَا إِلَى فعل الله تَعَالَى تَارَة بِوَاسِطَة وَتارَة بِغَيْر وَاسِطَة

ويعارض هَذَا أَن الْفرق بَين حَرَكَة الْمُخْتَار وحركة المفلوج والمسحوب على وَجهه فرق ضَرُورِيّ وَهُوَ يَقْتَضِي اخْتِيَار الْعباد وَبطلَان الْجَبْر بِالضَّرُورَةِ وَزَاد وضوحا أَن الْجَبْر فِي اللُّغَة هُوَ الاكراه الَّذِي يُنَافِي اللَّذَّة والشهوة وَالرِّضَا وَأهل الْمعاصِي يفعلونها متلذذين بهَا مشتهين لَهَا راضين مسرورين وَهَذَا كُله يضاد الْجَبْر والاكراه وينافيه بِالضَّرُورَةِ قَالَ الله تَعَالَى {ائتيا طَوْعًا أَو كرها} فَفرق بَينهمَا والجبر يُؤَدِّي إِلَى عدم ذَلِك

فَأَما الجبرية فتركوا الْجمع بَين الظَّوَاهِر وركبوا اللجاج الشَّديد والعناد الْبعيد وجحدوا الضرورات الْعَقْلِيَّة والبينات السمعية وَأجْمع أهل السّنة وَأهل الْكَلَام من الشِّيعَة والأشعرية والمعتزلة على ضلالهم وَالرَّدّ لقَولهم لأَنهم نفوا مَشِيئَة العَبْد وَالله تَعَالَى لم ينفها مُطلقًا لَكِن جعلهَا بعد مَشِيئَته فَقَالَ تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} والجبرية نفوها واطرحوا قَوْله إِلَّا أَن يَشَاء الله وَكَذَلِكَ قَوْلنَا مَا شَاءَ الله كَانَ يَقْتَضِي ذَلِك لِأَنَّهُ قد شَاءَ وَكَذَلِكَ نفوا أَن يكون المكلفون مختارين غير مجبورين فَكَانَ مَا شَاءَ من اختيارهم

وَأما الأشعرية فراموا الْجمع بَين هَذِه المتعارضات بِنِسْبَة الْفِعْل إِلَى الله تَعَالَى من وَجه وَإِلَى الْعباد من وَجه آخر كالمفسرين بذلك لما ورد السّمع بِهِ وَمن ذَلِك التَّعَارُض الْمُتَقَدّم وَأَمْثَاله مثل قَوْله تَعَالَى {إِنَّه من عبادنَا المخلصين}

<<  <   >  >>