للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْمَذْهَب الثَّانِي لأهل السّنة مَذْهَب شيخ الاسلام ومتكلم أهل الْآثَار أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي وَهُوَ مثل مَذْهَب الْجُوَيْنِيّ سَوَاء الا أَنه لَا يرى الاكوان أمورا حَقِيقِيَّة بل يَرَاهَا صِفَات اضافية كَأبي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ والامام يحيى بن حَمْزَة عَلَيْهِ السَّلَام على مَا مضى فِي أول الْمَسْأَلَة وَهَذَا أقوى من قَول الْجُوَيْنِيّ أَدِلَّة لما يرد على مثبتي الاكوان من الاشكالات الصعبة وَهُوَ أنسب لمَذْهَب أهل السّنة لَان صَاحبه لم يَجْعَل للقدرة الْحَادِثَة أثرا فِي اخراج شَيْء حَقِيقِيّ من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود وَالْقَوْل بَان الاكوان صِفَات اضافية قَول جمَاعَة من الْمُحَقِّقين وَعَزاهُ الشَّيْخ مُخْتَار فِي الْمُجْتَبى الى الْمُحَقِّقين وَهُوَ يُوَافق قَول الاشعرية كُله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الا قَوْلهم ان الاكوان أَشْيَاء حَقِيقِيَّة وَهُوَ أقوى هَذِه التفاصيل وأقربها الى الْفطْرَة وأسلمها من الْبِدْعَة لانه لَا بِدعَة فِي اثبات الْحَرَكَة والسكون وَلَا فِي انهما صفتان للاجسام وَلَا فِي انهما فعلان للعباد مقدران لَهُم وَنَحْو ذَلِك وَلم يتَوَقَّف شئ من هَذَا على النّظر الدَّقِيق والبحث العميق

الْمَذْهَب الثَّالِث قَول الأشعرية الكسبية وَقد اجْمَعُوا على ان الْقدر الْمُقَابل بالجزاء من فعل العَبْد غير مَخْلُوق لله تَعَالَى وَقد جود بَيَان هَذَا مِنْهُم الشهرستاني فِي نِهَايَة الاقدام ونقلت كَلَامه على طول الى العواصم لنفاسته وَحسن سِيَاقه وَبَيَانه وهم مَعَ هَذَا يطلقون القَوْل بَان أَفعَال الْعباد مخلوقة وانما يُرِيدُونَ ذَوَات الاكوان الَّتِي هِيَ الْحَرَكَة والسكون مجردين عَن الْوُجُوه والاعتبارات وَسَائِر الاحوال الَّتِي هِيَ أثر قدرَة الْعباد عِنْدهم والاحوال عبارَة عَمَّا تخْتَلف بِهِ الاكوان المتماثلة أَلا ترى أَن الحركات متماثلة من حَيْثُ أَنَّهَا حركات وحوادث ثمَّ هِيَ مُخْتَلفَة فِي الْحسن والقبح والاصابة وَالْخَطَأ والسرعة والبطئ متمايزة فِي أَنه بَعْضهَا حَرَكَة كِتَابَة وَبَعضهَا حَرَكَة صياغة وَبَعضهَا حَرَكَة غياصة ولاختلاف أحوالها وتمايزها كَانَ بَعْضهَا مجونا مضحكا وَبَعضهَا هائلا مفزعا وَبَعضهَا خارقا معجزا وَبَعضهَا محكما متقنا إِلَى غير ذَلِك وَلَا شكّ أَن الْقدر الَّذِي اخْتلفت فِيهِ غير الْقدر الَّذِي اتّفقت فِيهِ وَهُوَ مُجَرّد الِانْتِقَال والحدوث فاضافوا هَذِه الاحوال المقدورة للعباد اليهم وأضافوا ذَات الْحَرَكَة وحدوثها إِلَى الله تَعَالَى وَالَّذِي ألجأهم إِلَى ذَلِك أَن الْحَرَكَة

<<  <   >  >>