القَوْل الثَّانِي للاشعرية من أهل الْكَلَام ان فعل العَبْد الْمُقَابل بالجزاء متميز عَن الْقدر الْمَخْلُوق لله تَعَالَى ومغاير لَهُ وَهُوَ قَول الاشعرية وَأكْثر متكلميهم ذَكرُوهُ كَمَا ذكره الشَّيْخ مُخْتَار المعتزلي وَرَوَاهُ عَن شيخ الاعتزال ابي الْحُسَيْن الْبَصْرِيّ وَاخْتلف هَؤُلَاءِ فِي كَيْفيَّة تَمْيِيز كسب العَبْد عَن خلق الرب على مَذَاهِب
الْمَذْهَب الأول مُقَابل لِلْقَوْلِ الأول هُوَ مَا ذكره الشهرستاني فِي نِهَايَة الاقدام والرازي فِي نِهَايَة الْعُقُول وَغَيرهمَا عَن امام الْحَرَمَيْنِ أبي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ انه أثبت لقدرة العَبْد أثرا هُوَ الْوُجُود يَعْنِي ايجاد الْحَرَكَة والسكون مَعَ اعْتِقَاد الْجُوَيْنِيّ انهما شَيْء حَقِيقِيّ وَهَذَا لفظ الشَّهْر ستاني قَالَ وغلا امام الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ أثبت للقدرة الْحَادِثَة أثرا هُوَ الْوُجُود الا انه لم يثبت للْعَبد اسْتِقْلَالا بالوجود مَا لم يسْتَند الى سَبَب آخر يَعْنِي الدَّوَاعِي قَالَ وانما حمله على تَقْدِير ذَلِك الِاحْتِرَاز عَن ركاكة الْجَبْر وَقَالَ الرَّازِيّ فِي نِهَايَة الْعُقُول ان الْجُوَيْنِيّ صرح بذلك فِي كِتَابَة النظامي وَنسبه الرَّازِيّ أَيْضا الى الشَّيْخ أبي اسحق
وَقَالَ أَبُو نصر السُّبْكِيّ فِي جمع الْجَوَامِع عَن الْجُوَيْنِيّ انه يَقُول الطَّاعَة مخلوقة وَالرِّوَايَة الاولى أصح وَأشهر وَهِي المنصوصة فِي مصنفاته فَفِي مُقَدمَات كِتَابه الْبُرْهَان التَّصْرِيح بَان الْكسْب تمويه لَان الْمُكَلف هُوَ المتمكن وان التَّكْلِيف لَا يكون الا بالممكن وان تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق بَاطِل وأمثال هَذَا والجويني مَعَ هَذَا لَا يُخَالف فِي ان أَفعَال الْعباد مخلوقة بِمَعْنى آخر أَي مقدرَة فان الْخلق بِمَعْنى التَّقْدِير حَقِيقَة لغوية صَحِيحَة وَمَعَ خلاف الْجُوَيْنِيّ هَذَا لم يكن خَارِجا من أهل السّنة وَكَذَلِكَ الشَّيْخ أَبُو اسحق بل هما معدودان من أجل أئمتهم والدعاة الى السّنة والحماة عَنْهَا وَذَلِكَ لما قدمت فِي مَسْأَلَة الارادة ان مدَار الْخلاف بَين الْمُعْتَزلَة وَأهل السّنة عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَة الافعال فَمن قَالَ ان مَشِيئَة الله تَعَالَى نَافِذَة وَقدرته عَامَّة وَلَو شَاءَ لهدى النَّاس جَمِيعًا فَهُوَ على السّنة وان خَالف فِي مَسْأَلَة خلق الافعال لَان الْقدر الْمجمع عَلَيْهِ بَين أهل السّنة أَن العَبْد فَاعل مُخْتَار مستعين بِاللَّه غير مُسْتَقل بِنَفسِهِ طرفَة عين على مَا يَقْتَضِيهِ قَوْله تَعَالَى {إياك نعْبد وَإِيَّاك نستعين} وأمثالها كَمَا تقدم وتكرر ذكره