للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الذَّات الَّتِي هِيَ مَقْدُور بَين قَادِرين وَثَانِيهمَا من تِلْكَ الْوُجُوه والاعتبارات الَّتِي يكفر من أجازها على الله سُبْحَانَهُ أَو سَمَّاهُ بهَا بالاجماع وَالله تَعَالَى مَا شَارك العَبْد إِلَّا فِي أجمل هذَيْن الامرين وأحمدهما فَكيف ينْسب اليه أخبثهما وشرهما وأقبحهما بِغَيْر إِذن مِنْهُ وهم إِنَّمَا فروا الْجَمِيع من قَول الجبرية لما يلْزم فِيهِ من نَحْو هَذِه الْأَشْيَاء فَيجب عَلَيْهِم أَن يتموا النزاهة عَن خبائث مَذْهَب الجبرية وَمَا يُقَارِبه ويضارعه مِمَّا لم ترد النُّصُوص الشَّرْعِيَّة بِوُجُوبِهِ على الْمُسلمين ودخوله فِي أَرْكَان الدّين

وَاعْلَم أَنه قد تقرر بالِاتِّفَاقِ أَن اسْم الْخلق لَا يُطلق على شَيْء كالتخليق قَالَ تَعَالَى فِي المضغة {مخلقة وَغير مخلقة} أَي مصورة وَغير مصورة وَلذَلِك قَالَ أهل السّنة أَن الْقُرْآن لَا يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} لقَوْله تَعَالَى (أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر) وهما شَيْئَانِ فَدلَّ على أَن قَوْله تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} مَخْصُوص بِكُل شَيْء يُسمى مخلوقا وَأَن هَذِه الْآيَة فِي عَالم الْخلق دون عَالم الْأَمر فَثَبت أَنه لَا حجَّة لمن سمى الله خَالِقًا لمعاصي الْعباد فِي قَوْله تَعَالَى {خَالق كل شَيْء} حَتَّى يدل على أَنَّهَا تسمى مخلوقة فِي اللُّغَة وَكَيف وَقد اتفقنا على انها تسمى كسبا وَعَملا وفعلا لَا خلقا

أَلا ترى أَن من جعل العَبْد من أهل السّنة مؤثرا فِي الذَّات باعانة الله تَعَالَى لَا يُسَمِّيه خَالِقًا باعانة الله تَعَالَى مَا ذَلِك إِلَّا لِأَن هَذِه الذَّات هِيَ الأكوان وَكَونهَا ذَوَات غير صَحِيح فِي لُغَة الْعَرَب وَفِي النّظر الصَّحِيح عِنْد محققي أهل الْمَعْقُول وَتَسْمِيَة الأشعرية لَهَا خلقا لله تَعَالَى لم تصح لُغَة يُوضحهُ أَن إِمَام الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيّ وَالشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق وَمن تابعهما من أهل السّنة لم يسموا العَبْد خَالِقًا مَعَ أَنهم يَقُولُونَ أَن قدرته هِيَ الَّتِي أثرت فِي ذَات فعله وَحدهَا بتمكين الله تَعَالَى ومشيئته تَعَالَى من غير زِيَادَة مُشَاركَة بَينه وَبَين قدرَة الله تَعَالَى فِي تِلْكَ الذَّات الَّتِي هِيَ فعله وَكَسبه

فَثَبت أَن الْمَعْنى أَن الله خَالق كل شَيْء مَخْلُوق أَي يُسمى مخلوقا

<<  <   >  >>