للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فِي لُغَة الْعَرَب الَّتِي نزل عَلَيْهَا الْقُرْآن وَلم يكن أحد مِنْهُم يَقُول خلقت قيَاما وَلَا كلَاما وَلَا صَلَاة وَلَا صياما وَنَحْو ذَلِك وَلذَلِك ورد الْوَعيد للمصورين المشبهين بِخلق الله تَعَالَى فَلَو كَانَت أفعالنا خلق الله تَعَالَى لم يحرم علينا التَّشْبِيه بِخلق الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ لعن الْوَاشِمَات الْمُغيرَات خلق الله تَعَالَى وَلَا شكّ فِي جَوَاز تغييرنا لكثير من أفعالنا وَوُجُوب ذَلِك فِي كثير مِنْهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الله تَعَالَى بعد ذكر مخلوقاته من الاجسام وتصويرها وَسَائِر مَا لَا يقدر الْعباد عَلَيْهِ من الاعراض {هَذَا خلق الله فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه} وَإِنَّمَا يعرف الْخلق فِي اللُّغَة لايجاد الاجسام وَيدل على مَا ذكرته مَا حَكَاهُ الله تَعَالَى وذم الشَّيْطَان بِهِ من قَوْله {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} فَدلَّ على أَن التَّغْيِير الَّذِي هُوَ فعلهم لَيْسَ هُوَ خلق الله تَعَالَى بل هُوَ مُغَاير لَهُ وَلذَلِك نَظَائِر كَثِيرَة ذكرتها فِي العواصم

وَقد احْتج البُخَارِيّ فِي جَامعه الصَّحِيح بِمثل هَذَا على أَن الْكَلَام لَا يُسمى مخلوقا فَقَالَ فِي بَاب قَول الله عز وَجل {وَلَا تَنْفَع الشَّفَاعَة عِنْده إِلَّا لمن أذن لَهُ حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم} وَلم يقل مَاذَا خلق ربكُم ذكره فِي آخر كِتَابه الْجَامِع الصَّحِيح فِي الْبَاب الثَّانِي بعد الثَّلَاثِينَ من أَبْوَاب الرَّد على الْجَهْمِية وَقَالَت البغدادية الْخلق اسْم يخْتَص الايجاد بِغَيْر مُبَاشرَة

فان قَالَ جَاهِل حجَّة الاشعرية على أَن أَعمالنَا مخلوقة أَنَّهَا ذَوَات لَا صِفَات وَلَا أَحْوَال وَلَا يقدر على شَيْء من الذوات إِلَّا الله تَعَالَى

فَالْجَوَاب من وُجُوه الأول أوضحها وَهُوَ أَنهم لَا يَقُولُونَ بذلك بل يَقُولُونَ أَن أفعالنا هِيَ الاحوال وَالْوُجُوه والاعتبارات الْمُتَعَلّقَة بِتِلْكَ الذوات وَذَلِكَ هُوَ معنى الْكسْب كَمَا تقدم

وَثَانِيها أَنهم منازعون فِي أَن الأكوان الَّتِي هِيَ الْحَرَكَة والسكون والاجتماع والافتراق ذَوَات بل هِيَ صِفَات أَو أَحْوَال كَمَا ذهبت اليه

<<  <   >  >>