صدر الْآيَة الْكَرِيمَة بانكار عبَادَة المنحوت ثمَّ أكد ذَلِك الانكار بِكَوْن الْعِبَادَة لَهُ وَقعت فِي حَال خلق الله لَهُ لكنه سَمَّاهُ فِي آخر الْآيَة مَعْمُولا وَفِي أَولهَا منحوتا لكَرَاهَة تَكْرِير الْأَلْفَاظ المتقاربة فِي بلاغة بلغاء الْعَرَب كَمَا خَالف اللَّفْظ فِي قَوْله {فأخرجنا من كَانَ فِيهَا من الْمُؤمنِينَ فَمَا وجدنَا فِيهَا غير بَيت من الْمُسلمين} مَعَ أَن الْمُسلمين فِي آخر الْكَلَام هم الْمُؤْمِنُونَ المذكورون فِي أَوله وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَن الْوَاو حَالية فِي قَوْله تَعَالَى {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} فَالْمَعْنى كَيفَ غفلتم عَن قبح عبادتكم لَهَا وَالْحَال هَذِه
وَأَنت إِذا نظرت فِي طباق الْكَلَام وسياقه لم يحسن قطّ أَن يكون الْمَعْمُول غير المنحوت وَوَجَب أَن يكون هُوَ إِيَّاه أما أَنه لَا يحسن فلَان الْجُمْلَة الحالية تَقْتَضِي شدَّة النكارة فِي مثل هَذَا الْموضع وَلنْ يَصح أَن تقتضيها إِلَّا بذلك كَمَا تَقول أتجفو زيدا وَهُوَ أَبوك فَلَا يجوز أَن يكون الْأَب غير زيد كَمَا لَا يجوز أَن تَقول أتجفو زيدا وَأَبُوك خَالِد حَيْثُ لَا يكون بَينهمَا مَا يُوجب زِيَادَة النكارة وَلَو كَانَ الْمَعْمُول غير المنحوت لم يكن الشّرك مَعَه أقبح إِذا كَانَ الْمَعْمُول هُوَ المنحوت كَانَ الشّرك مَعَه أقبح وَكَذَلِكَ يكون الشّرك أقبح مَعَ عدم خلق الْأَعْمَال بِخِلَاف الشّرك مَعَ خلق الاعمال فانه لَيْسَ بأقبح مِنْهُ مَعَ عدم خلقهَا بل يلْزم أَن لَا يقبح وَأما أَنه يجب أَن يكون الْمَعْمُول هُوَ المنحوت فَلَمَّا فِي ذَلِك من زِيَادَة قبح الشّرك لِأَنَّهُ لَا يخفي على عَاقل أَن أقبح الشّرك أَن يَجْعَل العَبْد الْمَخْلُوق شَرِيكا لرَبه الْخَالِق لَهُ وَذَلِكَ الشَّرِيك مَخْلُوق لرَبه باقرار العَبْد وَلَا سِيمَا وَذَلِكَ الشَّرِيك الْمَخْلُوق جماد مسخر للْعَبد مَصْنُوع لَهُ ينحته ويكسره ويشكله ويطمسه ويضعه وَيَرْفَعهُ ويدنيه ويقصيه ويتصرف أَنْوَاع التَّصَرُّف فِيهِ
الْوَجْه السَّادِس أَن الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي خلق الْمَفْعُول بِهِ الْمُنْفَصِل عَن مَحل قدرَة العَبْد لَا فِي الْفِعْل نَفسه لقَوْله تَعَالَى {ليأكلوا من ثمره وَمَا عملته أَيْديهم} وَلَا خلاف بَين الْمُعْتَزلَة والأشعرية أَنه مَخْلُوق لله تَعَالَى وَكَذَلِكَ صَنْعَة المداد وَسَائِر الاصباغ والمسببات مثل ازهاق الْأَرْوَاح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute