الْمجَاز والعقول والفطرة ترجح ذَلِك فان سُبْحَانَ الله تملأ الْمِيزَان وَالله أكبر تملأ مَا بَين السَّمَاء والارض بل قد صحت النُّصُوص قُرْآنًا وَسنة أَن السَّيئَة بِمِثْلِهَا أَو يعْفُو الله عَنْهَا والوحسنة بِعشر أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء وَالصَّبْر وَالصَّوْم بِغَيْر حِسَاب
فاذا تقرر ذَلِك جَازَ أَن يكون الْبكاء الْمحرم الْمُغْضب لله عز وَجل سَببا لمؤآخذة الْمَيِّت بِمَا يسْتَحقّهُ من الْعقُوبَة على ذنُوبه الَّتِي قدمهَا وَنسب التعذيب إِلَى الْبكاء لهَذِهِ السَّبَبِيَّة مَعَ حسن تعذيبه لَو لم يبك عَلَيْهِ بذلك وَيكون هَذَا التعذيب والاخبار بِهِ زاجرا عَن الاصرار على سنة الْجَاهِلِيَّة المستحكمة فِي طباعهم المقوية للدواعي إِلَى إِظْهَار الْجزع وَلَطم الخدود وشق الْجُيُوب وَحلق الشُّعُور وَإِن لم يبكوا امتثالا لأمر الله عَفا الله عَن ميتهم وَترك تعذيبه الْمُسْتَحق بذنوبه مَعَ ثوابهم على امتثالهم وَيكون هَذَا الْعَفو والاخبار بِهِ دَاعيا ومرغبا ولطفا فِي فعل هَذِه الطَّاعَة
الْوَجْه الثَّالِث أَن يكون عَذَاب الْقَبْر مثل الآلام الدُّنْيَوِيَّة للعوض وَالِاعْتِبَار مثل مَا صَحَّ من ضمة اللَّحْد وَيكون مَعَ بكاء فَقَط وَإِن ترك الْبكاء لم يزدْ على ضمة اللَّحْد وَهَذَا أَشَارَ اليه الذَّهَبِيّ وَذكر أَن للبرزخ حكما بَين حكم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَنه لَيْسَ مثل الْحَال بعد اقرار أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة وَأهل النَّار فِي النَّار وَالْحجّة فِي ذَلِك من الْكتاب وَالسّنة كَمَا مضى وَادّعى الاشعري أَنه اجماع أهل السّنة ذكره ابْن كثير فِي الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة وَالله أعلم
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي التحسين الْعقلِيّ وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {أَو لم يتفكروا فِي أنفسهم مَا خلق الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} وَتقدم طرف من ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الأولى فِي إِثْبَات حِكْمَة الله تَعَالَى ونزيد هُنَا فَنَقُول اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك اخْتِلَافا ظَاهره التباعد الْكثير وَمَعَ تَلْخِيص مَحل النزاع والتوسط يسهل الامر وَيقرب من الِاتِّفَاق فقد ذكر الرَّازِيّ وَغَيره من متكلمي الأشعرية أَنه لَا خلاف فِيهِ باعتبارات ثَلَاثَة