للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أَحدهَا بِاعْتِبَار الشَّهْوَة والنفرة وَثَانِيها بِاعْتِبَار جلب النَّفْع وَدفع الضّر وَثَالِثهَا بِاعْتِبَار صفة النَّقْص كالكذب وَالْجهل وَصفَة الْكَمَال كالصدق وَالْعلم وعنوا بِالْكَذِبِ الَّذِي لم تدع اليه ضَرُورَة وبالصدق الَّذِي لَيْسَ بضار

وَمن هُنَا لم يجوزوا وُقُوع الْكَذِب فِي كَلَام الله تَعَالَى لِأَنَّهُ صفة نقص قَالُوا وَإِنَّمَا الْخلاف فِي معرفَة الْعقل لوُجُوب اسْتِحْقَاق الذَّم فِي الدُّنْيَا وَالْعِقَاب فِي الْآخِرَة على فعل صفة النَّقْص لَا جوزها من غير وجوب وَكَذَلِكَ معرفَة الْعقل لوُجُوب اسْتِحْقَاق الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب وَالثنَاء فِي الْآخِرَة على فعل صفة الْكَمَال لَا جَوَاز ذَلِك من غير وجوب وَلذَلِك حكى الزَّرْكَشِيّ فِي شَرحه لكتاب السُّبْكِيّ الْمُسَمّى جمع الْجَوَامِع أَن قوما توسطوا فَقَالُوا إِن الْقبْح وَاسْتِحْقَاق الذَّم عَلَيْهِ ثَابت بِالْعقلِ وَأما الْعقَاب فمتوقف على الشَّرْع قَالَ وَهُوَ الَّذِي ذكره أسعد بن عَليّ الزنجاني من أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّة وَأَبُو الْخطاب من الْحَنَابِلَة وذكرته الْحَنَفِيَّة وحكوه عَن أبي حنيفَة قَالَ وَهُوَ الْمَنْصُور لقُوته من حَيْثُ الْفطْرَة وآيات الْقُرْآن الْمجِيد وسلامته من الوهن والتناقض اه

وَقد تقدم فِي الْمَسْأَلَة الأولى أَن تَسْلِيم هَذَا الْقدر من التحسين الْعقلِيّ يُوجب الْمُوَافقَة على إِثْبَات الْحِكْمَة فِي أَفعَال الله تَعَالَى وَأَنه لَا فرق فِي التحسين بَين الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال وَقد ثَبت وقُوف الْأَقْوَال على الْحِكْمَة حَيْثُ وَجب الْقطع بِأَن الله تَعَالَى يخْتَار الصدْق على الْكَذِب فِي جَمِيع كَلَامه وَكتبه والموجب ذَلِك هُوَ بِعَيْنِه يُوجب مُرَاعَاة الْحِكْمَة فِي الْأَفْعَال وَهَذِه فَائِدَة مهمة وَحجَّة بَيِّنَة يَنْبَغِي التعويل عَلَيْهَا فِي دُعَاء من يُنكر الْحِكْمَة إِلَى الْحق وَالله الْهَادِي

وَقَول الزَّرْكَشِيّ أَن ذَلِك هُوَ الْمَنْصُور لموافقته الْفطْرَة وآيات الْقُرْآن الْمجِيد قَول صَحِيح وَأَرَادَ بآيَات الْقُرْآن الْمجِيد مَا ورد فِي ذَلِك مثل مَا قدمنَا من قَوْله تَعَالَى {أَو لم يتفكروا فِي أنفسهم} الْآيَة وَمثل قصَّة مُوسَى وَالْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام فانها صَرِيحَة فِي ذَلِك وَالْحجّة فِيهَا من وَجْهَيْن

<<  <   >  >>