للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وَقَول الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام {وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} وَقَول عيسي عَلَيْهِ السَّلَام {وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} وَفِي الْخَوْف أَكثر من ذَلِك كَقَوْلِه {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان} وَقَوله تعالي {ذَلِك لمن خشِي ربه} وَقَوله تَعَالَى {إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء} وَقَوله تعالي فِي الْمَلَائِكَة {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} وَقَوله تَعَالَى فِي الصَّالِحين {إِن عَذَاب رَبهم غير مَأْمُون} وَقَوله تَعَالَى {وَفِي نسختها هدى وَرَحْمَة للَّذين هم لرَبهم يرهبون} وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله وَالله إِنِّي لأخشاكم لله وأمثال ذَلِك مِمَّا يطول ذكره

وَالْجمع بَين الرَّجَاء وَالْخَوْف من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يَرْجُو حِين يذكر صِفَات ربه وَيخَاف حِين يذكر صِفَات نَفسه لقَوْله تَعَالَى {من خشِي الرَّحْمَن} فَسَماهُ بالرحمن فِي حَال خَوفه وَثَانِيهمَا أَن يخَاف على نَفسه ويرجو لغيره وَتَأمل قَول الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي خَوفه على نَفسه {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} وَلم يقل وَالَّذِي يغْفر لي كَمَا قَالَ {وَالَّذِي هُوَ يطعمني ويسقين وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين} وَكَذَا قَوْله {عَسى أَلا أكون بِدُعَاء رَبِّي شقيا} وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي حق غَيره {وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} فَانْظُر مَا أَشد خَوفه على نَفسه وأوسع رَجَاءَهُ لغيره وَهَذَا عكس مَا عَلَيْهِ الاكثرون وَالله الْمُسْتَعَان

فان قيل هَذَا الْكتاب مَبْنِيّ على الِاحْتِيَاط وَمذهب الوعيدية أحوط فَكيف لم تلتزمه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة

فَالْجَوَاب أَن الِاحْتِيَاط بَاقٍ مَعَ الرَّجَاء وَالْخَوْف لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْمفْسدَة إِنَّمَا هِيَ فِي الْأمان لَكِن من لم يتَأَمَّل لم يفرق بَين الامان والرجاء وَالْفرق بَينهمَا وَاضح وَلذَلِك قيل من رجا خَافَ وَمن خَافَ رجا وَمن قديم مَا قلت فِي هَذَا المعني هَذِه الأبيات

<<  <   >  >>