أَن من أنكر طَرِيق اثبات الشَّرْع لم يكفر كمن أنكر الاجماع وَمن أنكر الشَّرْع بعد الِاعْتِرَاف بطريقه كفر لِأَنَّهُ مكذب قَالَ وَقد نقل عَن بعض الْمُتَكَلِّمين أَنه قَالَ لَا أكفر إِلَّا من كفرني وَرُبمَا خفى سَبَب هَذَا القَوْل على بعض النَّاس وَحمله على غير محمله الصَّحِيح وَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يحمل عَلَيْهِ أَنه قد لمح هَذَا الحَدِيث الَّذِي قتضي أَن من دَعَا رجلا بالْكفْر وَلَيْسَ كَذَلِك رَجَعَ عَلَيْهِ الْكفْر وَكَذَلِكَ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله (من قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا وَكَأن هَذَا الْمُتَكَلّم يَقُول هَذَا الحَدِيث دلّ على أَنه يحصل الْكفْر لأحد الشخصين فاذا كفرني بعض النَّاس فالكفر وَاقع بأحدنا وَأَنا قَاطع بِأَنِّي لست بِكَافِر فالكفر رَاجع اليه اه وَفِيه مَا ترى من تَقْرِير الْخلاف فِي الْأَخْذ بظواهر النُّصُوص مِمَّا يُؤمن الْمُكَفّر لغيره أَن يُخطئ فِي نظره فِي طَرِيق التَّكْفِير كَمَا ذَلِك عَادَة الفطناء والأذكياء أَعنِي الْخَطَأ فِي مثل هَذِه المزالق وَلَو كَانَ خطأ الأذكياء فِي ذَلِك نَادرا وَأَنت مِنْهُم لم تأمن أَن تقع فِي ذَلِك النَّار كَيفَ وخطأهم فِيهِ كثير غَالب وَأَنت على غير يَقِين بأنك مِنْهُم فَأَما دفع الْكفْر بِأَنَّهُ حَدِيث أحادي فانه غرور من وُجُوه
الأول أَنا قد بَينا من طرقه مَا يدل على أَنه متواتر عِنْد أهل الِاطِّلَاع والمعلوم لَا يكون ظنيا لجهل الْجَاهِلين لَهُ
الثَّانِي أَن غرضنا الِاحْتِرَاز على الاسلام مِمَّا تجوز صِحَّته فِي علم الله تَعَالَى وَحَدِيث الْوَاحِد وَإِن لم تعلم صِحَّته فقد يكون صَحِيحا وَنحن لَا نعمل وَالصَّحِيح جَوَاز كفر لَا دَلِيل عَلَيْهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي موَاضعه
الثَّالِث أَن الْفَقِيه حميدا فِي الْعُمْدَة جوز الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الْوَاحِد فِي التَّكْفِير من غير اعْتِقَاد وَذكر أَنه مَذْهَب الْمَنْصُور بِاللَّه والمحققين وَاحْتج بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله هم بالغزو لخَبر الْوَلِيد بن عقبَة فَنزلت الْآيَة فَامْتنعَ لفسقه لَا لِأَنَّهُ خبر وَاحِد وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
ويحتج لَهُم بِقبُول الشَّهَادَة على الرِّدَّة وَالْكفْر وَالْحُدُود فِي الْفسق ثمَّ من العبر الْكِبَار فِي ذَلِك أَن الْجُمْهُور لم يكفروا من كفر الْمُسلم متأولا فِي تكفيره غير متعمد مَعَ أَن هَذِه الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة تَقْتَضِي ذَلِك والنصوص