للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قَالَ ابْن كثير فِي ارشاده وَهُوَ ثَابت عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ عَام فِي أهل الْعدْل وَالْبَغي وَإِن وَاحِدًا من الْفَرِيقَيْنِ لَا يضمن للْآخر شَيْئا وَهُوَ الَّذِي صَححهُ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق من قولي الشَّافِعِي فَدلَّ على دُخُول الْخَطَأ فِي أَفعَال الْقُلُوب كأفعال الْخَوَارِج كَمَا هُوَ وَاضح فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ وَلَكِن مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النَّحْل {إِنَّمَا يفتري الْكَذِب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بآيَات الله وَأُولَئِكَ هم الْكَاذِبُونَ من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} فَقَوله فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} يُؤَيّد أَن المتأولين غير كفار لِأَن صُدُورهمْ لم تَنْشَرِح بالْكفْر قطعا أَو ظنا أَو تجويزا أَو احْتِمَالا

وَقد يشْهد لَهُم بذلك كَلَام أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ الصَّادِق المصدوق فِي الْمَشْهُور عَنهُ حَيْثُ سُئِلَ عَن كفر الْخَوَارِج فَقَالَ من الْكفْر فروا فَكَذَلِك جَمِيع أهل التَّأْوِيل من أهل الْملَّة وَإِن وَقَعُوا فِي أفحش الْبدع وَالْجهل فقد علم مِنْهُم أَن حَالهم فِي ذَلِك هِيَ حَال الْخَوَارِج وَقد بَالغ الشَّيْخ أَبُو هَاشم وَأَصْحَابه وَغَيرهم فَقَالُوا هَذِه الْآيَة تدل على أَن من لم يعْتَقد الْكفْر ونطق بِصَرِيح الْكفْر وبسب الرُّسُل أَجْمَعِينَ وبالبراءة مِنْهُم وبتكذيبهم من غير إِكْرَاه وَهُوَ يعلم أَن ذَلِك كفر لَا يكفر وَهُوَ ظَاهر اخْتِيَار الزَّمَخْشَرِيّ فِي كشافه فانه فسر شرح الصَّدْر بِطيب النَّفس بالْكفْر وباعتقاده مَعًا وَاخْتَارَهُ الامام يحيي عَلَيْهِ السَّلَام والامير الْحُسَيْن بن مُحَمَّد

وَهَذَا كُله مَمْنُوع لأمرين أَحدهمَا مُعَارضَة قَوْلهم بقوله تَعَالَى {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} فقضي بِكفْر من قَالَ ذَلِك بِغَيْر شَرط فَخرج الْمُكْره بِالنَّصِّ والاجماع وَبَقِي غَيره فَلَو قَالَ مُكَلّف مُخْتَار غير مكره بمقالة النصاري الَّتِي نَص الْقُرْآن على أَنَّهَا كفر وَلم يعْتَقد صِحَة

<<  <   >  >>