لِلْحَائِضِ وَيُرْوَى يَا رَبَّ ذِي ضِغْنٍ وَضَبٍّ فَارِضٍ وَالضِّغْنُ الْحِقْدُ وَالضَّبُّ الْحِقْدُ الْكَامِنُ فِي الصَّدْرِ وَالْحَيْضُ يَأْتِي لِوَقْتٍ مَعْهُودٍ وَالطُّهْرُ كَذَلِكَ فَسُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهِ وَقَالَ الْأَعْشَى فِي الْقُرْءِ بِمَعْنَى الطُّهْرِ
أَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لِأَقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا
مُوَرِّثَةٍ مَالًا وَفِي الْحَيِّ رِفْعَةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا
الْأَلِفُ فِي أَوَّلِ الْبَيْتِ لِلِاسْتِفْهَامِ وَالْجَاشِمُ الْمُتَكَلِّفُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَصَرْفُهُ مِنْ حَدِّ عَلِمَ وَالْأَقْصَى الْأَبْعَدُ وَالْعَزِيمُ هُوَ الْعَزِيمَةُ وَهُمَا اسْمَانِ مِنْ الْعَزْمِ عَلَى الْأَمْرِ وَالْعَزَاءُ الصَّبْرُ وَقَوْلُهُ مُوَرِّثَةٍ نَعْتُ قَوْلِهِ غَزْوَةٍ عَلَى الْخَفْضِ وَمَالًا مَفْعُولٌ بِالتَّوْرِيثِ وَرِفْعَةً عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَالًا وَالْقُرُوءُ الْأَطْهَارُ وَالْأَلِفُ فِي آخِرِ قَوْلِهِ عَزَائِكَا وَفِي آخِرِ قَوْلِهِ نِسَائِكَا إشْبَاعٌ لِلْفَتْحَةِ وَإِتْمَامٌ لِلْقَافِيَةِ وَمَعْنَى الْبَيْتَيْنِ أَنْتَ فِي كُلِّ عَامٍ مُتَكَلِّفٌ عَلَى مَشَقَّةٍ غَزْوَةً تُوَرِّثُكَ مَالًا وَهُوَ الْغَنِيمَةُ وَتُورِثُكَ رِفْعَةً فِي الْحَيِّ وَهُوَ الْقَبِيلَةُ تَشُدُّ أَنْتَ عَزِيمَةَ صَبْرِك لِنِهَايَةِ تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَإِنَّمَا تَنَالُ الْمَالَ وَالرِّفْعَةَ لِتَضْيِيعِكَ أَطْهَارَ نِسَائِكَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ أَيْ لِامْتِنَاعِكَ عَنْ اسْتِيفَاءِ حَظِّكَ مِنْهُنَّ مَعَ الْقُدْرَةِ فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْمَ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اللُّغَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي آيَةِ الْعِدَّةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] فَحَمَلَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ عَلَى الْحَيْضِ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى الْأَطْهَارِ مَعَ صَلَاحِيَّةِ الِاسْمِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِدَلَائِلَ أُخَرَ مُرَجِّحَةٍ تُعْرَفُ فِي بَيَانِ دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ كِتَابِنَا هَذَا.
(م س ك) : «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَتَلْعَبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ» أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١] وَالْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ إبْقَاؤُهَا عَلَى النِّكَاحِ بِالْخَيْرِ وَالطَّرِيقِ الْمَرَضِيِّ فِي الشَّرْعِ وَذَلِكَ بِالرَّجْعَةِ وَالتَّسْرِيحُ التَّخْلِيَةُ وَالْإِرْسَالُ وَإِمْسَاكُهَا ضِرَارًا مُرَاجَعَتُهَا وَتَرْكُهَا مُدَّةً عَلَى التَّعْطِيلِ ثُمَّ التَّطْلِيقِ وَتَرْكُهَا مُدَّةً لِيَقْرُبَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا ثُمَّ مُرَاجَعَتُهَا وَفِي ذَلِكَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَهُوَ إضْرَارٌ بِهَا ثُمَّ قَالَ {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} [البقرة: ٢٣١] وَهُوَ جَعْلُ الرَّجْعَةِ لَا لِمَا وُضِعَتْ لَهُ وَالتَّطْلِيقِ لَا لِمَا شُرِعَ لَهُ فَإِنَّ الْمُرَاجَعَةَ لِإِبْقَائِهَا عَلَى النِّكَاحِ وَالطَّلَاقَ لِلتَّخَلُّصِ عَنْهَا وَهُوَ يَجْعَلُهُمَا لِلْإِضْرَارِ بِهَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ يُقَالُ هُوَ نَازِلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَبَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ عَلَى صِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَبَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ أَيْضًا أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَكَأَنَّهُ أُرِيدَ بِالظَّهْرِ كُلُّ الْبَدَنِ وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بَيْنَ أَنْفُسِهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَتَزَوُّجِهَا بِزَوْجٍ آخَرَ ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ، وَكَسْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute