رَسُولَ اللَّهِ وَمَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ؟ قَالَ النَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ مِنْهُ فَلا يَعُودُ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَعُودُ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ.
قَالَ حُذَيْفَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَيْفَ بِالنَّاسِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ يَا حُذَيْفَةُ أَمَّا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ فَإِذَا أَغْرَبَهُمَا اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ رَدَّ الْمِصْرَاعَيْنِ فَالْتَأَمَ مَا بَيْنَهُمَا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا بَيْنَهُمَا صَدْعٌ قَطُّ فَلا يَنْفَعُ نَفْسًا بَعْدَ ذَلِكَ إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا وَلا تُقْبَلُ مِنْ عَبْدٍ حَسَنَةٌ إِلا مَنْ كَانَ قَبْلُ مُحْسِنًا فَإِنَّهُ يَجْزِي لَهُ وَعَلَيْهِ فَتَطلع الشَّمْس عَلَيْهِم وَتَغْرُبُ كَمَا كَانَتْ قَبْلُ.
فَأَمَّا النَّاس فَإِنَّهُم بعد مَا يَرَوْنَ مِنْ فَظِيعِ تِلْكَ الآيَةِ وَعِظَمِهَا يُلِحُّونَ عَلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَغْرِسُوا فِيهَا الأَشْجَارَ وَيُشَقِّقُوا فِيهَا الأَنْهَارَ وَيَبْنُوا فَوْقَ ظُهُورِهَا الْبُنْيَانَ، وَأَمَّا الدُّنْيَا فَلَوْ أَنْتَجَ رَجُلٌ مَهْرًا لَمْ يَرْكَبْهُ مِنْ لَدُنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ أَسْرَعُ مِنْ مَرِّ السَّحَابِ لَا يَدْرِي الرَّجُلُ مَتَى يَمْسِي وَمَتَى يُصْبِحُ ثُمَّ تَقُومُ الْقِيَامَةُ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْتِيَنَّهُمْ وَإِنَّ الرَّجُلَ قَدِ انْصَرَفَ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ مِنْ تَحْتِهَا فَمَا يَذُوقُهُ وَلا يَطْعَمُهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ فِي فِيهِ اللُّقْمَةُ فَمَا يُسِيغُهَا فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ وَأَمَّا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَإِنَّهُمَا يَعُودَانِ إِلَى مَا خَلَقَهُمَا اللَّهُ مِنْهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ هُوَ يبدئ وَيُعِيد} فَيُعِيدُهُمَا إِلَى مَا خَلَقَهُمَا مِنْهُ، قَالَ حُذَيْفَةُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَكَيْفَ قِيَامُ السَّاعَةِ وَكَيْفَ النَّاسُ فِي تِلْكَ الْحَالِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله يَا حُذَيْفَةُ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ أَسَرُّ مَا كَانُوا بِدُنْيَاهُمْ وَأَحْرَصُ مَا كَانُوا عَلَيْهَا، فَبَيْنَ كَيَّالٍ يَكِيلُ وَوَزَّانٍ يَزِنُ وَبَيْنَ مُشْتَرٍ وَبَائِعٍ إِذْ أَتَتْهُمُ الصَّيْحَةُ فَخَرَّتِ الْمَلائِكَةُ صَرْعَى مَوْتَى عَلَى خُدُودِهِمْ، وَخَرَّ الآدَمِيُّونَ صَرْعَى مَوْتَى عَلَى خُدُودِهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} قَالَ فَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَرَى صَاحِبَهُ وَلا يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ وَتَخِرُّ الْوُحُوشُ عَلَى جُنُوبِهَا مَوْتَى، وَتَخِرُّ الطَّيْرُ مِنْ أَوْكَارِهَا وَمِنْ جَوِّ السَّمَاءِ مَوْتَى، وَتَمُوتُ السِّبَاعُ فِي الْغِيَاضِ وَالآجَامِ وَالْفَيَافِي وَتَمُوتُ الْحِيتَانُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ وَالْهَوَامُّ فِي بُطُونِ الأَرْضِ فَلا يَبْقَى مِنْ خَلْقِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ إِلا أَرْبَعَةٌ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ مُتْ فَيَمُوتُ ثُمَّ يَقُولُ لإِسْرَافِيلَ مُتْ فَيَمُوتُ ثُمَّ يَقُولُ لِمِيكَائِيلَ مُتْ فَيَمُوتُ ثُمَّ يَقُولُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَا مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَهِيَ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ فَمُتْ فَيَصِيحُ مَلَكُ الْمَوْتِ صَيْحَةً فَيَخِرُّ ثُمَّ يُنَادِي السَّمَوَات فتطوى عَلَى مَا فِيهَا كَطَيِّ السِّجِلِّ للْكتاب وَالسَّمَوَات السَّبْعَ وَالأَرَضِونَ السَّبْعَ مَعَ مَا فِيهِنَّ لَا تَسْتَبِينُ فِي قَبْضَةِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَمَا لَوْ أَنَّ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ أُرْسِلَتْ فِي رِمَالِ الأَرْضِ وَبُحُورِهَا لَمْ تَسْتَبِنْ، فَكَذَلِك السَّمَوَات السَّبع والأرضون السَّبْعَ مَعَ مَا فِيهِنَّ لَا تستبين فِي قَبْضَةِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ.
ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ الْجَبَابِرَةُ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
ثمَّ بقولِهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ لِلسَّمَوَاتِ فَيَتَمَسَّكْنَ كَمَا كُنَّ وَيَأْذَنُ لِلأَرَضَينَ فَيَنْسَطِحْنَ كَمَا كُنَّ ثُمَّ يَأْذَنُ الله لِصَاحِبِ الصُّورِ فَيَقُومُ فَيَنْفُخُ نَفْخَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute