للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ رفيع جدا يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الَّذِي كف برد هَذَا الثَّلج فَلَا يُطْفِئ حر هَذِه النَّار، سُبْحَانَ رَبِّي الَّذِي كف حر هَذِه النَّار فَلَا تُذيب هَذَا الثَّلج اللَّهُمَّ مؤلفًا بَين الثَّلج وَالنَّار ألف بَين قُلُوب عِبَادك الْمُؤمنِينَ فقلتُ من هَذَا يَا جِبْرِيل؟ فَقَالَ ملكُ من الْمَلَائِكَة وَصله الله بِأَكْنَافِ السَّمَوَات وأطراف الْأَرْضين وَهُوَ من أنصح الْمَلَائِكَة لأهل الأَرْض من الْمُؤمنِينَ يَدْعُو لَهُم بِما تسمع فَهَذَا قَوْله مُنْذُ خلق، ثُمَّ مَرَرْت بِملك آخر جَالس عَلَى كرْسِي فَإِذا جَمِيع الدُّنْيَا وَمن فِيهَا بَين رُكْبَتَيْهِ وَبِيَدِهِ لوحٌ من نور مَكْتُوب ينظر فِيهِ لَا يلتفتُ عَنْهُ يَمِينا وَلَا شمالاً مقبلٌ عَلَيْهِ فقلتُ لَهُ من هَذَا يَا جِبْرِيل؟ قَالَ هَذَا ملك الْمَوْت دائب فِي قبض الْأَرْوَاح وَهُوَ أَشد الْمَلَائِكَة عَملاً فقلتُ يَا جِبْرِيل إِن كل من مَاتَ من ذَوي الْأَرْوَاح أَو هُوَ ميت فِيمَا بعد أَهَذا يقبض روحه قَالَ نعم قلتُ أفيراهم أَيْنَمَا كَانُوا ويشهدهم بِنَفسِهِ قَالَ نعم فقلتُ كفى بِالْمَوْتِ طامة، فَقَالَ جِبْرِيل إِن مَا بعد الْمَوْت أَطَم وَأعظم فقلتُ وَمَا ذَاك يَا جِبْرِيل؟ قَالَ منكرٌ وَنَكِير يأتيان كل إِنْسَان من الْبشر حِين يوضعُ فِي قَبره وَيتْرك وحيدًا فقلتُ أرنيهما يَا جِبْرِيل؟ قَالَ لَا تفعل يَا مُحَمَّد فَإِنِّي أرهبُ أَن تفزع مِنْهُمَا وتهال أَشد الهول وَلَا يراهما أحد من ولد آدم إِلَّا بعد الْمَوْت وَلَا يراهما أحد من الْبشر إِلَّا مَاتَ فَزعًا مِنْهُمَا وهما أعظمُ شَأْنًا مِمَّا تظن قلتُ يَا جِبْرِيل صفهما لي قَالَ نعم من غير أَن أذكر لَك طولهما ذكر ذَلِكَ مِنْهُمَا أفظعُ غير أَن أصواتَهُما كالرعد القاصف وأعينهما كالبرق الخاطف وأنيبابهما كصياصي الْبَقَرَة يخرجُ لَهب النَّار من أفواههما ومناخرهما ومسامعهما، يكسحان الأرضِ بأشعارهما، ويحقران الأَرْض بأظفارهما مَعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا عَمُود من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهِ جَمِيع من فِي الأَرْض مَا حركوهُ يأتيانِ الْإِنْسَان إِذا وضع فِي قَبره وَترك وحيدًا يسلطان عَلَيْهِ فَترد روحه فِي جسده بِإِذن الله تَعَالَى ثُمَّ يقعدانه فِي قَبره وينتهرانه انتهارًا تتقعقعُ مِنْهُ عِظَامه وتزولُ أعضاؤه من مفاصله فيخر مغشيًا عَلَيْهِ ثُمَّ يقعدانه فِي قَبره فَيَقُولَانِ يَا هَذَا إِنَّك فِي البرزخ فاعقل ذَلِكَ واعرف مَكَانك وينتهرانه ثَانِيًا ويقولانِ يَا هَذَا قد ذهبت من الدُّنْيَا وأفضيتَ إِلَى معادك أَخْبَرَنَا من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك، فَإِن كَانَ مُؤمنا لقنه الله تَعَالَى حجَّته فَيَقُول رَبِّي الله ونبيي مُحَمَّد وديني الْإسْلَام فينتهرانه عِنْدَ ذَلِكَ انتهارًا يرى أَن أوصاله قد تَفَرَّقت وعروقه قد تقطعت فَيَقُولَانِ تثبت يَا هَذَا وَانْظُر مَا تَقُولُ فَيثبت الله عَبده الْمُؤمن بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة وَيُلْقِيه الْأَمْن ويدرأ عَنْهُ الْفَزع حَتَّى لَا يخافهما، فَإِذا فعل الله ذَلِكَ بِعَبْدِهِ الْمُؤمن استأنس إِلَيْهِمَا وأقبلَ عَلَيْهِمَا وَيَقُول تهدداني كَيْمَا أشكُ فِي ديني أتريدان أَن أَتَّخِذ غَيره وليا فأشهدُ أَن لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبِّي وربكما وَرب كل شَيْء، ونبيي مُحَمَّد وديني الْإِسْلَام، فينتهرانه ويسألانه الثَّالِثَة فَيَقُول رَبِّي الله فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض فإيّاهُ كنت أعبد لَم أشرك بِهِ شَيْئا ولَمْ أَتَّخِذ غَيره وليا، أتريدان أَن ترداني عَن معرفَة رَبِّي وعبادتي إيّاهُ هُوَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رَبِّي وربكما وَرب كل شَيْء، ونبيي مُحَمَّد وديني الْإسْلَام، فَإِذا قَالَ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات مجاوبة لَهما تواضعا حَتَّى يستأنسُ إِلَيْهِمَا أحسن مَا يكون فِي الدُّنْيَا إِلَى أهل وده وقرابته فَيَقُولَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>