بهَا محلهَا وَأَنه لَو اسْتَحَالَ خلقهَا فِي الْحَيّ دون اتِّصَاله ببنية لم يحْتَج محلهَا إِلَى كَونه من بنية مَخْصُوصَة على أننا لَو قُلْنَا إِن الْحَيَاة تحْتَاج إِلَى بنية لم يمْتَنع أَن يَبْنِي الله تَعَالَى من جسم النَّار وَهِي على مَا هِيَ عَلَيْهِ من التلهب وَالْحَرَكَة أَجزَاء مؤتلفة غير متباينة فَإِن قيل كَيفَ يجوز كَونهم وَكَون الْمَلَائِكَة رقاق الْأَجْسَام مَعَ عظم قدره وَحَملهمْ الْعَرْش وقلبهم لمدن وسد جِبْرِيل مَا بَين الْخَافِقين بجناحه قيل لَا يمْتَنع أَن يخلق الله تَعَالَى فِي أجسام الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ وَإِن كَانُوا من نَار وريح مَا يصير بهَا إِلَى حد يحْتَمل زِيَادَة الْقدر
وَقَالَ القَاضِي عبد الْجَبَّار الْهَمدَانِي فصل فِي كَون اجسامهم رقيقَة ولضعف ابصارنا لَا نراهم لَا لعِلَّة أُخْرَى لَو قوي الله تَعَالَى أبصارنا أَو كثف أجسامهم لرأيناهم
اعْلَم أَن الَّذِي يدل على رقة أجسامهم قَوْله تَعَالَى {إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم} فَلَو كَانُوا لنا مرئيين وَإِن كَانُوا بقربنا وَلَا حَائِل بَيْننَا وَبينهمْ بِحَيْثُ يوسوسون إِلَيْنَا وَكَانُوا كثافا لرأيناهم كَمَا يرونا كَمَا يرى بَعضهم بَعْضًا وَفِي علمنَا بِخِلَاف ذَلِك من حَالنَا وحالهم دَلِيل على صِحَة مَا قُلْنَاهُ قَالَ وَقد ذكر شُيُوخنَا أَن الرقة أحد الْمَوَانِع من رُؤْيَة المرئيات بِشَرْط ضعف الْبَصَر كالبعد واللطافة وَلِهَذَا قَالُوا أَنه يجوز أَن نراهم إِذا قوى الله تَعَالَى شُعَاع ابصارنا كَمَا يجوز أَن نراهم لَو كثف الله تَعَالَى أجسامهم وعَلى هَذَا الْوَجْه يرى المعاين الْمَلَائِكَة دون من يحضرهُ ويرونهم الْأَنْبِيَاء جَمِيعًا ويرون الْجِنّ أَيْضا دون غَيرهم على أَنهم لَو كَانُوا كثافا لحجز الجني عَن رُؤْيَة من بحضرتنا إِذا تخَلّل فِيمَا بَيْننَا وَيكون حكمه حكم الْحَائِط وَسَائِر الْأَجْسَام الكثيفة أَنه مَتى كَانَ ذَلِك بَيْننَا وَبَين من يرَاهُ لَو حجزها حجزت ومنعت عَن رُؤْيَته وَفِي وجداننا الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك فِي سَائِر الْأَوْقَات الَّتِي نجد الوسواس فِي قُلُوبنَا على طَريقَة وَاحِدَة فِي أَنه نرى مَا بحضرتنا مَا يحجز بَيْننَا وَبَينه حَائِط وحاجز من بِسَائِر الْأَجْسَام دلَالَة على صِحَة مَا ذَكرْنَاهُ من رقة الْأَجْسَام قَالَ وَقد اسْتدلَّ غير شُيُوخنَا على ان الْمَانِع من رُؤْيَة الْجِنّ هُوَ أَن الله تَعَالَى لَا يحدث فيهم من الألوان مَا لَو فعله لرأيناهم وَلَيْسَ الْمَانِع من الرُّؤْيَة الرقة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute