للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سلوكه ووسوسته وَإِنَّمَا يرَاهُ من الصرع والتخبط وَالِاضْطِرَاب من فعل الشَّيْطَان قيل لَا نقُول ذَلِك لما بَينا من قبل اسْتِحَالَة فعل الْفَاعِل فِي غير مَحل قدرته بل ذَلِك من فعل الله تَعَالَى مَعَه يجْرِي الْعَادة فَإِن كَانَ الْمَجْنُون قَادِرًا على ذَلِك كَانَ كسبا لَهُ وَإِن لم يكن قَادِرًا كَانَ مُضْطَرّا

[فصل]

قَالَ ابْن عقيل فَإِن قَالَ لَك قَائِل كَيفَ الوسوسة من إِبْلِيس وَكَيف وُصُوله إِلَى الْقلب قل هُوَ كَلَام على مَا قيل تميل إِلَيْهِ النُّفُوس والطبع وَقد قيل يدْخل فِي جَسَد ابْن آدم لِأَنَّهُ جسم لطيف ويوسوس وَهُوَ أَنه يحدث النَّفس بالأفكار الردية قَالَ تَعَالَى {يوسوس فِي صُدُور النَّاس} فَإِن قَالُوا فَهَذَا لَا يَصح لِأَن الْقسمَيْنِ باطلان أما حَدِيثه فَلَو كَانَ مَوْجُودا لسمع بالآذان وَأما دُخُوله فِي الْأَجْسَام فالأجسام لَا تتداخل وَلِأَنَّهُ نَار فَكَانَ يجب أَن يَحْتَرِق الْإِنْسَان قيل أما حَدِيثه فَيجوز أَن يكون شَيْئا تميل إِلَيْهِ النَّفس كالساحر الَّذِي يتوخى النفث إِلَى المسحور وَإِن لم يكن صَوتا وَأما قَوْله لَو أَنه دخل فِيهِ لتداخلت الْأَجْسَام ولاحترق الْإِنْسَان فغلط لِأَن الْجِنّ لَيْسُوا بِنَار محرقة وَإِنَّمَا هم خلقُوا من نَار فِي الأَصْل وَأما قَوْلك إِن الْأَجْسَام لَا تتداخل فالجسم اللَّطِيف يجوز أَن يدْخل إِلَى مُخَارق الْجِسْم الكثيف كالروح عنْدكُمْ أَو الْهَوَاء الدَّاخِل فِي سَائِر الْأَجْسَام وَالْجِنّ جسم لطيف

فصل وَقَوله {من الْجنَّة وَالنَّاس} اخْتلف النَّاس فِي هَذَا الْجَار وَالْمَجْرُور بِمَاذَا يتَعَلَّق فَقَالَ الْفراء وَجَمَاعَة هُوَ بَيَان للنَّاس الموسوس فِي صُدُورهمْ وَالْمعْنَى {يوسوس فِي صُدُور النَّاس} الَّذين هم من الْجِنّ وَالْإِنْس أَي الموسوس فِي صُدُورهمْ قِسْمَانِ إنس وجن فالوسواس يوسوس للجني كَمَا يوسوس للإنسي وَهَذَا ضَعِيف جدا لوجوه

أَحدهَا أَنه لم يقم دَلِيل على أَن الْجِنّ يوسوس فِي صدر الجني وَيدخل فِيهِ كَمَا يدْخل فِي الْإِنْسِي وَيجْرِي مِنْهُ مجْرَاه من الْإِنْسِي فَأَي دَلِيل يدل على هَذَا حَتَّى يَصح حمل الْآيَة عَلَيْهِ

<<  <   >  >>