الْبَاب الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ فِي أَن إِبْلِيس هَل كلمة الله تَعَالَى أم لَا
قَالَ ابْن عقيل ان قَالَ لَك قَائِل هَل كلم الله تَعَالَى إِبْلِيس من غير واسطه فقد اخْتلف الْعلمَاء فِي ذَلِك أَعنِي الاصوليين فَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُم لم يكلمهُ قَالَ وَقَالَ بَعضهم بل كَلمه وَالصَّحِيح أَنه لَا يجوز أَن يكون كلمة كفاحا وَإِنَّمَا يكون على لِسَان ملك لِأَن كَلَام الْبَارِي لمن كَلمه رَحْمَة ورضى وتكرم وإجلال أَلا ترى أَن نَبيا من الْأَنْبِيَاء فضل بذلك على سَائِر الْأَنْبِيَاء مَا عدا الْخَلِيل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمِيع الآى الْوَارِدَة مَحْمُولَة على أَنه أرسل إِلَيْهِ بِملك يَقُول فَإِن قيل أَلَيْسَ رسَالَته تَشْرِيفًا وَقد كَانَت لإبليس على غير وَجه التشريف كَذَلِك يكون كَلَامه تَشْرِيفًا لغير إِبْلِيس وَلَا يكون تَشْرِيفًا لإبليس قيل مُجَرّد الْإِرْسَال لَيْسَ بتشريف وَإِنَّمَا يكون لإِقَامَة الْحجَّة بِدلَالَة أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أرْسلهُ إِلَى فِرْعَوْن وهامان وَلَا شرف لَهما وَلَا قصد إكرامهما وإعظامهما لعلمه بِأَنَّهُمَا عدوان لَهُ وَكَلَامه إِيَّاه تَشْرِيفًا لَهُ قَالُوا لما قَالَ للْمَلَائكَة اسجدوا هَل كَانَ مُخَاطبا مَعَهم أم لَا قيل يجوز أَن يدْخل فِي عُمُوم النُّطْق وَلَا يخص بذلك بِدلَالَة أَنه سُبْحَانَهُ شرف نبيه بتخصيصه على سَائِر الْأُمَم فَلم يبلغُوا بخطاب الْعُمُوم خطابه الْخَاص وَيجوز أَيْضا حمل خطابه وَأمره بِالسُّجُود الْخَاصَّة من الْمَلَائِكَة كفاحا ولإبليس بالارسال وَيكون اللَّفْظ عَاما مُطلقًا وَالْمعْنَى مفصلا كَمَا يُقَال أَمر السُّلْطَان رَعيته بِالْخدمَةِ لزيد وَإِن كَانُوا مُخْتَلفين فِي مَرَاتِب أمره بَعضهم شافهه وَبَعْضهمْ أرسل إِلَيْهِ قَالُوا كَيفَ يَجْعَل غَضَبه عَلَيْهِ وَكَونه عَاصِيا حجَّة فِي عدم كَلَامه وَقد أخبر سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يكلم من هَذَا حَاله فَقَالَ {وَيَوْم يناديهم فَيَقُول أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ} {قَالَ اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} وَلِأَن الْكَلَام بِالْغَضَبِ وَالْعَذَاب لَا يكون تَشْرِيفًا بل انتقاما كالملك إِذا شتم خادمه وضربه وَأمر بقتْله لَا يُقَال قد أكْرمه قيل كَلَام العالي تشريف لمن يكلمهُ وَإِن كَانَ وعيدا فَلهَذَا لَا يكلم السُّلْطَان لمن غضب عَلَيْهِ ولعنه بِنَفسِهِ فَأَما السقاط والحارس فَإِنَّهُ بِكُل ذَلِك إِلَى خدمه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute