للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَصِفَاته متخيلة غير مرئية والإدراك لَا يشْتَرط فِيهِ تحديق الْأَبْصَار وَلَا قرب المسافات وَلَا كَون المرئي مَدْفُونا فِي الأَرْض وَلَا ظَاهرا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يشْتَرط كَونه مَوْجُودا وَقد ثَبت وجوده وَتَكون الصِّفَات المتخيلة ثَمَرَتهَا اخْتِلَاف الدلالات وَقد ذكر الْكرْمَانِي فِي بَاب رُؤْيا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث انه إِذا رئى فِي الْمَنَام شَيخا فَهُوَ عَام سلم وَإِذا رئى شَابًّا فَهُوَ عَام حَرْب وَكَذَلِكَ أحد جوابهم عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو رَآهُ امْرُؤ يَأْمُرهُ بقتل من لَا يحل قَتله فَإِن ذَلِك من الصِّفَات المتخيلة لَا المرئية وجوابهم الثَّانِي منع وُقُوع مثل هَذَا قَالَ الْمَازرِيّ لَا وَجه عِنْدِي لمنعهم إِيَّاه مَعَ قَوْلهم فِي تخيل الصِّفَات فَهَذَا انْفِصَال هَؤُلَاءِ عَمَّا احْتج بِهِ القَاضِي وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَآنِي فِي الْمَنَام فسيراني فِي الْيَقَظَة اَوْ كَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَة فتأويله مَأْخُوذ مِمَّا تقدم قَالَ الْمَازرِيّ إِن كَانَ الْمَحْفُوظ فسيراني فِي الْيَقَظَة فَيحْتَمل أَن يُرِيد أهل عصره مِمَّن لم يُهَاجر اليه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ إِذا رَآهُ فِي الْمَنَام فسيراه فِي الْيَقَظَة وَيكون الْبَارِي جلت قدرته جعل رُؤْيا الْمَنَام علما على رُؤْيَة الْيَقَظَة وَأوحى إِلَيْهِ بذلك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَقَالَ السُّهيْلي فِي ضمن أسئلة فِي الرُّؤْيَا كَيفَ تكون الرُّؤْيَا حَقًا وَهِي كلهَا قد يرى على صور مُخْتَلفَة مِنْهَا مَا هِيَ صُورَة لَهُ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِصُورَة لَهُ وَأجَاب بعد تَقْرِير الْكَلَام فِي حَقِيقَة الرُّؤْيَا وَقَالَ إِذا رأى فِي حَال النّوم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثلا على غير صورته الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فقد رَآهُ حَقًا وَلَكِن من الرُّؤْيَا لَا من الرُّؤْيَة فَتوهم الصُّورَة أَنَّهَا صورته وَأَنَّهَا صفة لَهُ واعتقد فِي تِلْكَ الْحَال لعزوب الْعقل تَصْدِيق الْوَهم وَلم يقْدَح ذَلِك التَّوَهُّم فِي صِحَة الرُّؤْيَا كَمَا لم يقْدَح من الْيَقظَان الرَّاكِب الْبَحْر توهمه لمشي الْبَحْر فِي صِحَة رُؤْيَة الْبَحْر وَكَذَلِكَ من رأى رجلا من مَكَان بعيد جدا فتوهمه صَبيا أَو طائرا فقد رَآهُ بِعَيْنِه وَلم يقْدَح فِي صِحَة رُؤْيَته توهم الصُّورَة على غير مَا هِيَ لكنه فِي الْيَقَظَة يكذب الْوَهم فِي ذَلِك التَّوَهُّم لحُصُول الْعقل وَلَا يكذب الْعقل الْوَهم فِي حَال النّوم بل يعْتَقد صدقه لعزوب الْعقل عَن النّظر فِي الدَّلِيل فيعتقد الصُّورَة الدَّاخِلَة فِي الخيال لَا وجود لَهَا من خَارج فَإِذا اسْتَيْقَظَ انحل الِانْعِقَاد بتجديد النّظر وَبَقِي النّظر فِي تِلْكَ الصُّورَة المتوهمة فَإِن الله تَعَالَى لم

<<  <   >  >>