دَار جَزَاء وَمن قَالَ بِهَذَا القَوْل اخْتلفُوا على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا إِنَّهَا فِي السَّمَاء لِأَنَّهُ أهبطهما مِنْهَا وَهَذَا قَول الْحسن وَالثَّانِي أَنَّهَا فِي الأَرْض لِأَنَّهُ امتحنهما فِيهَا بِالنَّهْي عَن الشَّجَرَة الَّتِي نهيا عَنْهَا دون غَيرهَا من الثِّمَار وَهَذَا قَول ابْن يحيى وَكَانَ ذَلِك بعد أَمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لآدَم وَالله أعلم بصواب ذَلِك هَذَا كَلَامه فقد تضمن كَلَامه حِكَايَة ثَلَاثَة أَقْوَال وَكَلَامه مشْعر بِالْوُقُوفِ وَلِهَذَا حكى الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره أَرْبَعَة أَقْوَال وَجعل الْوَقْف هُوَ الرَّابِع وَحكى القَوْل بِأَنَّهَا فِي السَّمَاء وَلَيْسَت جنَّة المأوى عَن أبي عَليّ الجبائي وَقد أورد أَصْحَاب القَوْل الثَّانِي سؤالا يحْتَاج مثله إِلَى جَوَاب فَقَالُوا لَا شكّ أَن الله تَعَالَى طرد إِبْلِيس حِين امْتنع من السُّجُود عَن الحضرة الإلهية وَأمره بِالْخرُوجِ عَنْهَا والهبوط مِنْهَا وَهَذَا الْأَمر لَيْسَ من الْأَوَامِر الشَّرْعِيَّة بِحَيْثُ يُمكنهُ مُخَالفَته وَإِنَّمَا هُوَ أَمر قدري لَا يُخَالف وَلَا يمانع وَلِهَذَا قَالَ {فَاخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم} وَالضَّمِير عَائِد إِلَى الْجنَّة أَو السَّمَاء أَو الْمنزلَة وأيا مَا كَانَ فمعلوم أَنه لَيْسَ لَهُ الْكَوْن قدرا فِي الْمَكَان الَّذِي طرد عَنهُ وَأبْعد مِنْهُ لَا على سَبِيل الِاسْتِقْرَار وَلَا على الْمُرُور والاجتياز قَالُوا وَمَعْلُوم من سياقات الْقُرْآن أَنه وسوس لآدَم وخاطبه بقوله {هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لَا يبْلى} وَبِقَوْلِهِ {مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة} إِلَى قَوْله {بغرور} وَهَذَا ظَاهر فِي اجتماعه مَعَهُمَا فِي جنتهما وأجيبوا عَن هَذَا بِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يجْتَمع بهما فِي الْجنَّة على سَبِيل الْمُرُور لَا على سَبِيل الِاسْتِقْرَار بهَا أَو أَنه وسوس لَهما وَهُوَ على بَاب الْجنَّة أَو من تَحت السَّمَاء وَفِي الثَّالِثَة نظر وَالله أعلم وَمِمَّا احْتج بِهِ أَصْحَاب هَذِه الْمقَالة مَا رَوَاهُ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد فِي الزِّيَادَات عَن هدبة ابْن خَالِد عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن ضَمرَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ إِن آدم لما احْتضرَ اشْتهى قطفا من عِنَب الْجنَّة فَانْطَلق بنوه ليطلبوه فلقيتهم الْمَلَائِكَة فَقَالُوا أَيْن تُرِيدُونَ يَا بني آدم فَقَالُوا إِنَّا أَبَانَا اشْتهى قطفا من عِنَب الْجنَّة فَقَالُوا لَهُم ارْجعُوا فقد كفيتموه فَانْتَهوا إِلَيْهِ فقبضوا روحه وغسلوه وحنطوه وكفنوه وَصلى عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْمَلَائِكَة وَبَنوهُ خلف الْمَلَائِكَة ودفنوه وَقَالُوا هَذِه سنتكم فِي مَوْتَاكُم قَالُوا فلولا أَن الْوُصُول إِلَى الْجنَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا آدم الَّتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute