للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروى مَالك فِي الْمُوَطَّأ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي عفريتا من الْجِنّ يطلبني بشعلة نَار كلما الْتفت رَأَيْته فَقَالَ جِبْرِيل أَلا أعلمك كَلِمَات تقولهن فتطفئ شعلته ويخر لفيه قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى فَقَالَ جِبْرِيل قل أعوذ بِوَجْه الله الْكَرِيم وبكلمات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ مَا ينزل من السَّمَاء وَمَا يعرج فِيهَا وَمن شَرّ مَا ذَرأ فِي الأَرْض وَمن شَرّ مَا يخرج مِنْهَا وَمن فتن اللَّيْل وَالنَّهَار وَمن طوارق اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا طَارق يطْرق بِخَير يَا رَحْمَن بَين فِي الحَدِيث الأول الِاسْتِعَاذَة من الشَّيْطَان ولعنه بلعنة الله وَلم يسْتَأْخر بذلك فَمد يَده إِلَيْهِ وَبَين فِي الحَدِيث الثَّانِي أَن مد الْيَد كَانَ لخنقه لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دَفعته وَهَذَا دفع لعداوته بِالْفِعْلِ وَفِيه الخنق وَبِه اندفعت عداوته فَرده الله خاسئا وَأما الزِّيَادَة وَهُوَ ربطه إِلَى السارية وَهُوَ من بَاب التَّصَرُّف الملكي الَّذِي تَركه لِسُلَيْمَان فَإِن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَصَرَّف فِي الْجِنّ كتصرفه فِي الْإِنْس التَّصَرُّف عبد رَسُول الله يَأْمُرهُم بِعبَادة الله تَعَالَى وطاعته لَا يتَصَرَّف لأمر يرجع إِلَيْهِ وَهُوَ التَّصَرُّف الملكي فَإِنَّهُ كَانَ عبدا رَسُولا وَسليمَان نَبِي ملك وَالْعَبْد الرَّسُول أفضل من النَّبِي الْملك كَمَا أَن السَّابِقين المقربين أفضل من عُمُوم الْأَبْرَار أَصْحَاب الْيَمين وَالدَّلِيل على أَن العَبْد الرَّسُول أفضل من النَّبِي الْملك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرض عَلَيْهِ أَن يكون نَبيا ملكا أَو عبدا رَسُولا فَاخْتَارَ أَن يكون عبدا رَسُولا وَلَا يخْتَار لنَفسِهِ إِلَّا مَا هُوَ الْأَفْضَل فِي نفس الْأَمر وَقَوله فَمَا زلت اخنقه حَتَّى برد لعابه وَقَوله حَتَّى وجدت برد لِسَانه على يَدي فَهَذَا فعله فِي الصَّلَاة وَهُوَ مِمَّا احْتج بِهِ الْعلمَاء على جَوَاز مثل هَذَا فِي الصَّلَاة وَهُوَ كدفع الْمَار وَقتل الأسودين وَالصَّلَاة حَالَة الْمُسَابقَة وَقد تنَازع الْعلمَاء فِي شَيْطَان الْجِنّ إِذا مر بَين يَدي الْمُصَلِّي هَل يقطع الصَّلَاة على قَوْلَيْنِ هما قَولَانِ فِي مَذْهَب أَحْمد وَقد تقدم هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي عقدناه لهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق

<<  <   >  >>