الصِّفَات بل لَو رَأَيْت كلمة مَكْتُوبَة لحصل لَك يَقِين قَاطع بِوُجُود كَاتب لَهَا عَالم قَادر سميع بَصِير حَيّ وَلم يدل عَلَيْهِ إِلَّا صُورَة كلمة وَاحِدَة وكما تشهد هَذِه الْكَلِمَة شَهَادَة قَاطِعَة بِصِفَات الْكَاتِب فَمَا من ذرة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض من فلك وكوكب وشمس وقمر وحيوان ونبات وَصفَة وموصوف إِلَّا وَهِي شاهدة على نَفسهَا بِالْحَاجةِ إِلَى مُدبر دبرهَا وقدرها وخصصها بِخُصُوص صفاتها بل لَا ينظر الْإِنْسَان إِلَى عُضْو من أَعْضَاء نَفسه وجزء من أَجْزَائِهِ ظَاهرا وَبَاطنا بل إِلَى صفة من صِفَاته وَحَالَة من حالاته الَّتِي تجْرِي عَلَيْهِ قهرا بِغَيْر اخْتِيَاره إِلَّا ويراها ناطقة بِالشَّهَادَةِ لخالقها وقاهرها ومدبرها وَكَذَلِكَ كل مَا يُدْرِكهُ بِجَمِيعِ حواسه فِي ذَاته وخارجا من ذَاته
وَلَو كَانَت الْأَشْيَاء مُخْتَلفَة فِي الشَّهَادَة يشْهد بَعْضهَا وَلَا يشْهد بَعْضهَا لَكَانَ الْيَقِين حَاصِلا للْجَمِيع وَلَكِن لما كثرت الشَّهَادَات حَتَّى اتّفقت خفيت وغمضت لشدَّة الظُّهُور ومثاله أَن أظهر الْأَشْيَاء مَا يدْرك بالحواس وأظهرها مَا يدْرك بحاسة الْبَصَر وَأظْهر مَا يدْرك بحاسة الْبَصَر نور الشَّمْس الْمشرق على الْأَجْسَام الَّذِي بِهِ يظْهر كل شَيْء فَمَا بِهِ يظْهر كل شَيْء كَيفَ لَا يكون ظَاهرا
وَقد أشكل ذَلِك على خلق كثير حَتَّى قَالُوا الْأَشْيَاء الملونة لَيْسَ فِيهَا إِلَّا ألوانها فَقَط من سَواد وَحُمرَة فَأَما أَن يكون فِيهَا مَعَ اللَّوْن ضوء وَنور مُقَارن للون فَلَا وَهَؤُلَاء إِنَّمَا نبهوا على قيام النُّور بالمتلونات بالتفرقة الَّتِي يدركونها بَين الظل وَمَوْضِع النُّور وَبَين اللَّيْل وَالنَّهَار فَإِن الشَّمْس لما تصور غيبتها بِاللَّيْلِ واحتجابها بالأجسام الْمظْلمَة بِالنَّهَارِ انْقَطع أَثَرهَا عَن المتلونات فأدركت التَّفْرِقَة بَين المتأثر المستضيء بهَا وَبَين المظلم المحجوب عَنْهَا فَعرف وجود النُّور بِعَدَمِ النُّور إِذا أضيف حَالَة الْعَدَم إِلَى حَالَة الْوُجُود فأدركت التَّفْرِقَة مَعَ بَقَاء الألوان فِي الْحَالَتَيْنِ وَلَو أطبق نور الشَّمْس كل الْأَجْسَام الظَّاهِرَة لشخص وَلم تغب الشَّمْس حَتَّى يدْرك التَّفْرِقَة لتعذر عَلَيْهِ معرفَة كَون النُّور
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute