وكأنا إِذا عرفنَا أَن الله تَعَالَى حَيّ قَادر عَالم فَلم نَعْرِف إِلَّا أَنْفُسنَا وَلم نعرفه إِلَّا بِأَنْفُسِنَا إِذْ الْأَصَم لَا يتَصَوَّر أَن يفهم معنى قَوْلنَا إِن الله سميع وَلَا الأكمه يفهم معنى قَوْلنَا إِنَّه بَصِير وَلذَلِك إِذا قَالَ الْقَائِل كَيفَ يكون الله عز وَجل عَالما بالأشياء فَنَقُول كَمَا تعلم أَنْت الْأَشْيَاء فَإِذا قَالَ فَكيف يكون قَادِرًا فَنَقُول كَمَا تقدر أَنْت فَلَا يُمكنهُ أَن يفهم شَيْئا إِلَّا إِذا كَانَ فِيهِ مَا يُنَاسِبه فَيعلم أَولا مَا هُوَ متصف بِهِ ثمَّ يعلم غَيره بالمقايسة إِلَيْهِ فَإِن كَانَ لله عز وَجل وصف وخاصية لَيْسَ فِينَا مَا يُنَاسِبه ويشاركه فِي الِاسْم وَلَو مُشَاركَة حلاوة السكر لَذَّة الوقاع لم يتَصَوَّر فهمه الْبَتَّةَ فَمَا عرف أحد إِلَّا نَفسه ثمَّ قايس بَين صِفَات الله تَعَالَى وصفات نَفسه وتتعالى صِفَاته عَن أَن تشبه صفاتنا فَتكون هَذِه معرفَة قَاصِرَة يغلب عَلَيْهَا الْإِيهَام والتشبيه فَيَنْبَغِي أَن تقترن بهَا الْمعرفَة بِنَفْي المشابهة وينفي أصل الْمُنَاسبَة مَعَ الْمُشَاركَة فِي الِاسْم
وَأما السَّبِيل الثَّانِي المسدود فَهُوَ أَن ينْتَظر العَبْد أَن تحصل لَهُ الصِّفَات الربوبية كلهَا حَتَّى يصير رَبًّا كَمَا ينْتَظر الصَّبِي أَن يبلغ فيدرك تِلْكَ اللَّذَّة وَهَذَا السَّبِيل مسدود مُمْتَنع إِذْ يَسْتَحِيل أَن تحصل تِلْكَ الْحَقِيقَة لغير الله تَعَالَى وَهَذَا هُوَ سَبِيل الْمعرفَة المحققة لَا غير وَهُوَ مسدود قطعا إِلَّا على الله تَعَالَى
فَإِذا يَسْتَحِيل أَن يعرف الله تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ غير الله بل أَقُول يَسْتَحِيل أَن يعرف النَّبِي غير النَّبِي وَأما من لَا نبوة لَهُ فَلَا يعرف من النُّبُوَّة إِلَّا اسْمهَا وَأَنَّهَا خاصية مَوْجُودَة لإِنْسَان بهَا يُفَارق من لَيْسَ نَبيا وَلَكِن لَا يعرف مَاهِيَّة تِلْكَ الخاصية إِلَّا بالتشبيه بِصِفَات نَفسه
بل أَزِيد وَأَقُول لَا يعرف أحد حَقِيقَة الْمَوْت وَحَقِيقَة الْجنَّة وَالنَّار إِلَّا بعد الْمَوْت وَدخُول الْجنَّة أَو النَّار لِأَن الْجنَّة عبارَة عَن أَسبَاب ملذة وَلَو فَرضنَا شخصا لم يدْرك قطّ لَذَّة لم يمكننا أصلا أَن نفهمه الْجنَّة تفهيما يرغبه فِي طلبَهَا