يسْعَى فِي التَّعَرُّض لفيضان رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ ف {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} ١٣ سُورَة الرَّعْد الْآيَة ١١ وَلذَلِك قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لربكم فِي أَيَّام دهركم نفخات من رَحمته أَلا فتعرضوا لَهَا
وَأما الْخَالِق البارئ فَلَا مدْخل للْعَبد أَيْضا فِي هذَيْن الاسمين إِلَّا بِنَوْع من الْمجَاز بعيد وَوَجهه أَن الْخلق والإيجاد يرجع إِلَى اسْتِعْمَال الْقُدْرَة بِمُوجب الْعلم وَقد خلق الله تَعَالَى للْعَبد علما وقدرة وَله سَبِيل إِلَى تَحْصِيل مقدوراته على وفْق تَقْدِيره وَعلمه
والأمور الْمَوْجُودَة تَنْقَسِم إِلَى مَا لَا يرتبط حُصُولهَا بقدرة الْعباد أصلا كالسماء وَالْكَوَاكِب وَالْأَرْض وَالْحَيَوَان والنبات وَغير ذَلِك وَإِلَى مَا لَا حُصُول لَهَا إِلَّا بقدرة الْعباد وَهِي الَّتِي ترجع إِلَى أَعمال الْعباد كالصناعات والسياسات والعبادات والمجاهدات فَإِذا بلغ العَبْد فِي مجاهدة نَفسه بطرِيق الرياضة فِي سياستها وسياسة الْخلق مبلغا ينْفَرد فِيهَا باستنباط أُمُور لم يسْبق إِلَيْهَا وَيقدر مَعَ ذَلِك على فعلهَا وَالتَّرْغِيب فِيهَا كَانَ كالمخترع لما لم يكن لَهُ وجود من قبل إِذْ يُقَال لواضع الشطرنج إِنَّه الَّذِي وَضعه واخترعه حَيْثُ وضع مَا لم يسْبق إِلَيْهِ إِلَّا أَن وضع مَا لَا خير فِيهِ لَا يكون من صِفَات الْمَدْح
وَكَذَلِكَ فِي الرياضات والمجاهدات والسياسات والصناعات الَّتِي هِيَ منبع الْخيرَات صور وترتيبات يتعلمها النَّاس بَعضهم من بعض ويرتقي لَا محَالة إِلَى أول مستنبط وَوَاضِع فَيكون ذَلِك الْوَاضِع كالمخترع لتِلْك الصُّورَة والخالق الْمُقدر لَهَا حَتَّى يجوز إِطْلَاق الِاسْم عَلَيْهِ مجَازًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute