وَمَعْنَاهُ أَن من قدرت لَهُ السَّعَادَة قدرت بِسَبَب فيتيسر لَهُ أَسبَابهَا وَهُوَ الطَّاعَة وَمن قدرت لَهُ الشقاوة وَالْعِيَاذ بِاللَّه قدرت بِسَبَب وَهُوَ بطالته عَن مُبَاشرَة أَسبَابهَا
وَقد يكون سَبَب بطالته أَن يسْتَقرّ فِي خاطره إِنِّي إِن كنت سعيدا فَلَا أحتاج إِلَى الْعَمَل وَإِن كنت شقيا فَلَا يَنْفَعنِي الْعَمَل وَهَذَا جهل فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَنه إِن كَانَ سعيدا فَإِنَّمَا يكون سعيدا لِأَنَّهُ يجْرِي عَلَيْهِ أَسبَاب السَّعَادَة من الْعلم وَالْعَمَل وَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك وَلم يجر عَلَيْهِ فَهُوَ أَمارَة شقاوته
ومثاله الَّذِي يتَمَنَّى أَن يكون فَقِيها بَالغا دَرَجَة الْإِمَامَة فَيُقَال لَهُ اجْتهد وَتعلم وواظب فَيَقُول إِن قضى الله عز وَجل لي فِي الْأَزَل بِالْإِمَامَةِ فَلَا أحتاج إِلَى الْجهد وَإِن قضى لي بِالْجَهْلِ فَلَا يَنْفَعنِي الْجهد فَيُقَال لَهُ إِن سلط عَلَيْك هَذَا الخاطر فَهَذَا يدل على أَنه قضى لَك بِالْجَهْلِ فَإِن من قضى لَهُ فِي الْأَزَل بِالْإِمَامَةِ فَإِنَّمَا يَقْضِيهَا بأسبابها فَيجْرِي عَلَيْهِ الْأَسْبَاب ويستعمله بهَا وَيدْفَع عَنهُ الخواطر الَّتِي تَدعُوهُ إِلَى الكسل والبطالة بل الَّذِي لَا يجْتَهد لَا ينَال دَرَجَة الْإِمَامَة قطعا وَالَّذِي يجْتَهد ويتيسر لَهُ أَسبَابهَا يصدق رجاؤه فِي بُلُوغهَا إِن استقام على جهده إِلَى آخر أمره وَلم يستقبله عائق يقطع عَلَيْهِ الطَّرِيق فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يفهم أَن السَّعَادَة لَا ينالها إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم وسلامة الْقلب صفة تكتسب بالسعي كفقه النَّفس وَصفَة الْإِمَامَة من غير فرق
نعم الْعباد فِي مُشَاهدَة الحكم على دَرَجَات فَمن نَاظر إِلَى الخاتمة أَنه بِمَاذَا يخْتم لَهُ وَمن نَاظر إِلَى السَّابِقَة أَنه بِمَا قضى لَهُ فِي الْأَزَل وَهُوَ أَعلَى لِأَن الخاتمة تبع السَّابِقَة وَمن تَارِك للماضي والمستقبل هُوَ ابْن وقته فَهُوَ نَاظر إِلَيْهِ رَاض بمواقع قدر الله عز وَجل وَمَا يظْهر مِنْهُ وَهُوَ أَعلَى مِمَّا قبله وَمن تَارِك للْحَال والماضي والمستقبل مُسْتَغْرق الْقلب بالحكم ملازم فِي الشُّهُود وَهَذِه هِيَ الدرجَة الْعليا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute