للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

للهلاك من أَسبَاب خَارِجَة كسباع ضارية وأعداء متنازعة فحفظه من ذَلِك بِمَا خلق لَهُ من الجواسيس المنذرة بِقرب الْعَدو وَهِي طلائعه كَالْعَيْنِ وَالْأُذن وَغَيرهمَا ثمَّ خلق لَهُ الْيَد الباطشة والأسلحة الدافعة كالدرع والترس والقاضية كالسيف والسكين ثمَّ رُبمَا يعجز مَعَ ذَلِك عَن الدّفع فأمده بِآلَة الْهَرَب وَهِي الرجل للحيوان الْمَاشِي والجناح للطائر وَكَذَلِكَ شَمل حفظه جلت قدرته كل ذرة فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى الْحَشِيش الَّذِي ينْبت فِي الأَرْض يحفظ لبابه بالقشر الصلب وطراوته بالرطوبة وَمَا لَا يحفظ بِمُجَرَّد القشر يحفظه بالشوك النَّابِت مِنْهُ ليندفع بِهِ بعض الْحَيَوَانَات المتلفة لَهُ فالشوك سلَاح النَّبَات كالقرون والمخالب والأنياب للحيوانات

بل كل قَطْرَة من مَاء فمعها ملك حَافظ يحفظها عَن الْهَوَاء المضاد لَهَا فَإِن المَاء إِذا جعل فِي إِنَاء وَترك مُدَّة اسْتَحَالَ هَوَاء وسلب الْهَوَاء المضاد لَهُ صفة المائية عَنهُ وَلَو غمست الإصبع فِي مَاء ورفعتها ونكستها تدلت مِنْهَا قَطْرَة مَاء تبقى منكسة لَا تنفصل مَعَ أَن من شَأْنهَا الْهَوِي إِلَى أَسْفَل وَلكنهَا لَو انفصلت وَهِي صَغِيرَة استولى الْهَوَاء عَلَيْهَا وأحالها وَلَا تزَال تمكث متدلية حَتَّى يجْتَمع إِلَيْهَا بَقِيَّة البلل فتكبر القطرة فتستجري على خرق الْهَوَاء بِسُرْعَة وَلَا يستولي الْهَوَاء على إحالتها وَلَيْسَ ذَلِك حفظا مِنْهَا لنَفسهَا عَن معرفَة بضعفها وَقُوَّة ضدها وحاجة استمدادها من بَقِيَّة البلل وَإِنَّمَا ذَلِك حفظ من ملك مُوكل بهَا بِوَاسِطَة معنى مُتَمَكن من ذَاتهَا وَقد ورد فِي الْخَبَر أَنه لَا تنزل قَطْرَة من الْمَطَر إِلَّا وَمَعَهَا ملك يحفظها إِلَى أَن تصل إِلَى مستقرها من الأَرْض وَذَلِكَ حق والمشاهدة الْبَاطِنَة لأرباب البصائر قد دلّت عَلَيْهِ وأرشدت إِلَيْهِ فآمنوا بالْخبر لَا عَن تَقْلِيد بل عَن بَصِيرَة

وَالْكَلَام أَيْضا فِي شرح حفظ الله تَعَالَى السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا طَوِيل

<<  <   >  >>