والجليل إِلَى كَمَال الصِّفَات والعظيم يرجع إِلَى كَمَال الذَّات وَالصِّفَات جَمِيعًا مَنْسُوبا إِلَى إِدْرَاك البصيرة إِذا كَانَ بِحَيْثُ يسْتَغْرق البصيرة وَلَا تستغرقه البصيرة
ثمَّ صِفَات الْجلَال إِذا نسبت إِلَى البصيرة المدركة لَهَا سميت جمالا وَسمي المتصف بِهِ جميلا وَاسم الْجَمِيل فِي الأَصْل وضع للصورة الظَّاهِرَة المدركة بالبصر مهما كَانَت بِحَيْثُ تلائم الْبَصَر وتوافقه ثمَّ نقل إِلَى الصُّورَة الْبَاطِنَة الَّتِي تدْرك بالبصائر حَتَّى يُقَال سيرة حَسَنَة جميلَة وَيُقَال خلق جميل وَذَلِكَ يدْرك بالبصائر لَا بالأبصار وَالصُّورَة الْبَاطِنَة إِذا كَانَت كَامِلَة متناسبة جَامِعَة جَمِيع كمالاتها اللائقة بهَا كَمَا يَنْبَغِي وعَلى مَا يَنْبَغِي فَهِيَ جميلَة بِالْإِضَافَة إِلَى البصيرة الْبَاطِنَة المدركة لَهَا وملائمة لَهَا ملاءمة يدْرك صَاحبهَا عِنْد مطالعتها من اللَّذَّة والبهجة والاهتزاز أَكثر مِمَّا يُدْرِكهُ النَّاظر بالبصر الظَّاهِر إِلَى الصُّورَة الجميلة فالجميل الْحق الْمُطلق هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَط لِأَن كل مَا فِي الْعَالم من جمال وَكَمَال وبهاء وَحسن فَهُوَ من أنوار ذَاته وآثار صِفَاته وَلَيْسَ فِي الْوُجُود مَوْجُود لَهُ الْكَمَال الْمُطلق الَّذِي لَا مثنوية فِيهِ لَا وجوبا وَلَا إمكانا سواهُ وَلذَلِك يدْرك عارفه والناظر إِلَى جماله من الْبَهْجَة وَالسُّرُور واللذة وَالْغِبْطَة مَا يستحقر مَعَه نعيم الْجنَّة وجمال الصُّورَة المبصرة بل لَا مُنَاسبَة بَين جمال الصُّورَة الظَّاهِرَة وَبَين جمال الْمعَانِي الْبَاطِنَة المدركة بالبصائر
وَهَذَا الْمَعْنى كشفنا عَنهُ الغطاء فِي كتاب الْمحبَّة من كتب إحْيَاء عُلُوم الدّين
فَإِذا ثَبت أَنه جليل وَجَمِيل فَكل جميل فَهُوَ مَحْبُوب ومعشوق عِنْد مدرك جماله فَلذَلِك كَانَ الله عز وَجل محبوبا وَلَكِن عِنْد العارفين كَمَا تكون الصُّورَة الجميلة الظَّاهِرَة محبوبة وَلَكِن عِنْد المبصرين لَا عِنْد العميان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute