للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُضَادُّ النسيانَ، والنسيان والذكر إنما يتضادان بالمحلِّ الواحد، ومحلُّ النسيان القلب، فمحلُّ الذكر إذًا القلب، وذِكْرُ القلب: هو النيَّة. وذَكَر أنَّ هذا الحديث ضعيفٌ. قال أحمد بن حنبل: لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا. (١)

وقال شيخُنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السَّروجي الحنفي قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية: التقدير ثوابها لا صحتُها؛ لأنَّه الذي يطَّرِدُ، فإنَّ كثيرًا من الأعمال تُوجد وتُعتبر شرعًا بدونها؛ ولأنَّ إضمار الثواب متفقٌ على إرادته؛ ولأنَّه يلزم منِ انتفاء الصحة انتفاءُ الثواب دون العكس، فكان ما ذهبنا إليه أقلَّ إضمارًا، فهو أولى؛ ولأنَّ إضمار الجواز والصحة يُؤدِّي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد (١٦/ ظ) وهو ممتنع؛ ولأنَّ العامل في قوله بالنيَّة مُقدَّرٌ بإجماع النُّحَاة، ولا يجوزُ أن يتعلق بالأعمال؛ لأنَّها رفع بالابتداء، فيبقى بلا خبر، فلا يجوز، فالمقدَّر إمَّا مجزئة أو صحيحة أو مثيبة، فمثيبة أولى بالتقدير لوجهين: أحدهما: أنَّ عند عدم النيَّة لا يبطل أصلُ العمل، وعلى إضمار الصحة والإجزاء يبطُل، فلا يبطل بالشكِّ. الثاني: قوله: "ولكل امرئ ما نوى"، يدلُّ على الثواب والأجر؛ لأنَّ الذي له إنما هو الثواب، وأما العمل فعليه. (٢)

قال بعضُ علماء الحنفية: إنَّ الصحة والكمال مقدَّران غير منطوقٍ بهما، والتقدير: إضمار، والإضمار على خلاف القياس، فكلُّ ما أدَّى إلى تقليله كان أولى في تقدير كمال الأعمال أقلّ؛ لأنه يلزم من نفي الكمال الصحة، ويلزم من نفي الصحة نفي الكمال، فمن قدَّر نفي الصحة يلزم منه نفيُ الجواز، فيصير المنفيُّ شيئين: الصحة والكمال، وإذا نُفي الكمالُ لا يلزم منه نفيُ الصحة (١٦/ و) فتعيَّن أنَّ نفي شيءٍ واحدٍ أولى من نفي شيئين، وهذا تقدَّم إلا أنَّه أبْيَنُ.


(١) عارضة الأحوذي، لأبي بكر ابن العربي (١/ ٣٩).
(٢) انظر: طرح التثريب في شرح التقريب، للعراقي (٢/ ٧).

<<  <   >  >>