للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكر النووي: الأعمالُ ضربانِ: ضربٌ يُشترَط النيةُ لصحته، ويحصُلُ الثوابُ فيه. كالأركان الأربعة وغير ذلك ممَّا أجمع العلماءُ على أنَّه لا يصحُّ إلا بنيَّةٍ، وكالوضوء، والغسل، والتيمم، وطواف الحجِّ والعمرة، والوقوف ممَّا اشترط النيَّة فيه بعض العلماء.

وضربٌ لا تُشترَط النيَّةُ لصحته، لكنْ يُشترَط حُصُول الثواب. كسترِ العورة، والأذانِ، والإقامةِ، وابتداءِ السلام وردِّه، وتشميتِ العاطس وردِّه، وعيادةِ المريض، واتباعِ الجنائز، وإماطةِ الأذى، وبناءِ المدارسِ والرُّبُط، والأوقاف، والهبات، والوصايا، والصدقات، وردِّ الأماناتِ ونحوِها.

وأمَّا إزالةُ النجاسة، فالمشهورُ عندنا أنَّه لا يفتقر إلى نيَّة؛ لأنها من باب التُّرُوك، والتركُ لا يحتاجُ إلى نيَّة، وقد نُقِل الإجماعُ فيها. (١٧/ ظ) قال: وشذَّ بعضُ أصحابِنا فأوجَبَها. (١)

وقال الإمام أبو الوليد محمد بن أحمد بن رُشد المالكي في كتابه "بداية المجتهد": "اختلف علماءُ الأمصار هل النيَّةُ شرطٌ في صحة الوضوء أم لا؟ بعد اتفاقهم على اشتراط النيَّة في العبادات. فذهب فريقٌ منهم إلى أنَّه شرط، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وداود، وبه قال إسحاق. وذهب فريق آخر إلى أنَّها ليست بشرطٍ، وهو مذهب أبي حنيفة، والثوري. (٢).

ورُوي عن الحسن بن صالح بن حييٍّ. وعن مالك رواية شاذَّة: أنَّ الوضوء يُجزئ بغير نيَّة. وعن الأوزاعي: أنَّ الطهارة والتيمم لا يفتقرانِ إلى نيَّة. ذكر ذلك السفاقسي.

وسبب اختلافهم: تردُّد الوضوء بين أن يكون عبادةً محضةً غير معقولة المعنى. كغسل النجاسة؛ فإنَّهم لا يختلفون أنَّ العبادة المحضة مفتقرة إلى النيَّة، والعبادة


(١) شرح النووي على مسلم (١٣/ ٥٤).
(٢) بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (١/ ١٥).

<<  <   >  >>