رحمه الله تعالى إلى أبي أحمد يحيى بن علي بن يحيى بن أبي منصور المنجم رحمه الله فيمنْ يُسمَّى من الشعراء عَمْراً كتبها لنفسه يوسف بن لؤلؤ بن عبد الله نفعه الله بالعلم بسم الله الرحمن الرحيم وبه أثق الرسالة إلى أبي أحمد يحيى بن علي بن يحيى، أدامَ الله عزَّه: أطال الله بقاءك، وأدام عزك، وأسبغ نعَمه عليك، وزاد فيها عندك، أَعلمتني - أعزك الله - عندما جرى بيننا من ذكر ما حُكي عن أبي سعيد الأصمعي فيمن قال الشعر من العرب في الجاهلية والإسلام، ممن اسمه عمرو، أنك لا تعرف منهم العدّة التي ذكر الأصمعي أنه وأبا مُحْرز خلف بن حيّان الأحمر عدّاهم، وهم ثلاًثون رجلاً، وسألتني تعريفك مَنْ أحصيتُه منهم وعرفته، ولم يَقُل - أعزَّكَ الله - هذان الأستاذان فيمَنْ عرفاه من مشهرَّيهم إلاّ الحق، ولكنّه قد قال الشعر الناسُ وفيهم المُقلُّ والمكثر في الجاهلية والإسلام ممن تضعف عدّتُه على من عرفه خلف والأصمعيُ أضعافاً، وحَدَث بعد وقتهما منهم جماعةُ، لا يجب أن يُعتدَّ عليهما بهم.
وأنا متّبعٌ كلُّ مَنْ انتهى إليّ أنّه قال شيئاً سار له من الشعر من العَمْرين، وذاكرْ في باب كل واحد منهم ما يدلُّ على معرفته من أخباره ونسبه وشعره على اختصار، ولعلك - أيدك الله - لو تصفحت كُتبَكَ وجدتَ زيادة عليهم، ولعلي أُهْدي إليكَ مما كتبت به إلي إلى ما أنت به عليمَ وعليه مطلع، وليست بيننا محاسبة بحمد الله، والله يبقيك لإخوانك، ولا يعدمهم الانتفاع بَك، قائلاً وسائلاً.
حدثني - أعزك الله - أبو علي عسل بن ذكوان النحوي، قال: حدّثنا أبو حاتم السجستاني عن أبي عُبيدة، قال: قيل لأبي عمرو بن العلاء: بماذا كُنيتَ، قال: العَمْرُ: سيف الذّهب، والعَمْر والعُمَر، يقال بالنصب والضمّ، والعَمْر: أحد عمور الأسنان، وهي مغارزها.
وحدثني أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الديّنوري، وكتب إليً أبو علي محمد بن سعد السامي الكُرَّاني، قال ابن قتيبة: حدثنا أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني، وقال الكرّاني: حدثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي، قالا جميعاً: حدثنا الأصمعي عن عامر بن عبد الملك المِسْمَعي الملقب كرّدين، قال: قعدَ فتيان أحداث إلى أبي ضَمْضَم، ولم يسمّه الأصمعي ولا نَسبَه، وأُخبرتُ أنه النسابة المذّكور صاحب رؤبة بن العجاج فقال لهم: ما جاء بكم يا خبثاء؟ قالوا: جئنا لنحدثك ونؤنسك. قال: كلا، لكن قلتم كبر الشيخ ونتلعّبه، هذا لفظ الدينوري، قال الكرّاني: ونتلعب به، عسى أن نأخذ عليه سَقَطاً، قال: فأنشدهم لمائة شاعر، كلهم اسمه عمرو.
قال الأصمعي: وقعدتُ أنا وخلف الأحمر فلم نقدر على اكثر من ثلاثين شاعراً، فقلتُ لعبد الله بن مسلم: أحسبُ إنساناً لو تتبع الشعراء بكتب من أشعار القبائل ومَنْ فيهم من المُقلّين لوجَد فيهم أكثرمما ذكر الأصمعي. فقال لي: أنت فارغ لذلك فافعله، فأخرجت له أسماءَ نيّفٍ وثلاثين رجلاً من مشهّري الجاهليين والإسلاميين القدماء وبضعة عشرَ رجلاً من الإسلاميين المُحدَثين، وعرضتهُ عليه فارتضاه، ونسختُه له، ثم حدثتُ بالحديث أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب رحمه الله، فسألني إن اكتبهم له ففعلتُ، فما أفادني فيهم زيادة، وقد تتبعتُ عندما جرى بيننا مَنْ في القبائل من الشعراء المكثرين والمُقلّين والفرسان والأعراب والمغمورين ومن حَدث إلى وقت الأصمعي من شعراء الإسلام وبعده، فأخرجت من ذلك، - على أني لم أتقصَّه ولم تطل المدّةُ فيه - أكثر من مائتي اسمٍ، ليس فيهم من حَدثَ بعد الأصمعي إلاّ نيّفً وعشرون رجلاً، وفيهم من قد رآه الأصمعي وبيّنت ذلك في هذا الكتاب، ومَنْ منهم من الجاهليين المخضرمين والإسلاميين والمُحدّثين، واستغفر الله عزَّ وجل من التشاغل بما لا يؤدي إلى مرضاته، وأستقيله من كل عملٍ لا يتصل بما يقرَّب منه، وحسبي الله ونعم الوكيل.
ولم أذكر - أعزك الله عزّ وجلّ - في هؤلاء الشعراء عَمراً الجِنّي وما يروى له، إذ كنتُ إنما تعلمتُ أمرَ الإنس، وقد روى عفيف بن سالم الموصلي عن مجالد عن الشعبي عن تميم الداري، إن عمرو بن حَوْمانة الجنّي أحد جنِّ نصيبين الذين أسلموا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وروى هو وغيره له شعراً.