قال: أنشدني محمد بن الله بن أبي عتيق لأبي المسلّم، وطلق امرأته ومتّعها وحملها إلى أهلها، فلما استقلّت ركابها قال:
ولستُ بناسٍ إذ غَدَوا فتحملوا ... لزومي على الأحشاءِ من لاعجِ الوَجْد
وقولي وقد زالت بليلٍ حمولُهم ... بواكِرَ تُحدىَ لا يكن آخر العَهدِ
١٨٥ - عمرو بن واقد مولى عُتبة بن يزيد بن معاوية، شآمي دمشقي يقول في فتنه الهَيذام المُريّ بالشام أيام الرشيد يصف هيذاماً وخريماً ابني أبي الهيذام ومولاه سابقاً ورجلاً من قريش، وكانوا حماته في تلك الحرب مع من كان فيها من المعديّة لما وقعت العصبية بين معد واليمن:
فلم أر كالهَيْذامِ في الناسِ فارساً ... ولا كخُريم حَلْبةً في الخلائقِ
ولا كأخينا من قريشٍ رأيتهُ ... بعيني ولا مولىً رأيتُ كسابقِ
كأنهم كانوا صقورَ دُجُنّةِ ... أُتِيحت على الخربانِ من رأس حالقِ
فولتْ بنو قحطان عنّا كأنهم ... هنالك ضأنٌ جُلْنَ من صوتِ ناعقِ
وكان عمرو بن واقد ذا أدب وأخبار، حدثني محمد بن راشد قال: حدثني الهيثم بن مروان قال: حدثنا أبو مسهر قال: سمعت غير واحد منهم عمرو بن واقد وخالد بن عبدة بن رياح يقولون: فتى العرب في الجاهلية امرؤ القيس، وفي الاسلام يزيد بن معاوية: ١٨٦ - عمرو بن نصر القصافي التميمي أبو الفيض، من شعراء الرشيد المحسنين، أخبرنا أبو هفّان عبد الله بن محمد قال: كان أحسن شعراء عصره ابتداء شعر، من ذلك قوله:
غيري أطاعَ مقالةَ العُذّالِ
وقوله:
راحوا ولَما يؤذنوا برواحِ
وقوله:
لا نومَ حتى تقضّى دولةُ السَهَر
وقوله:
في دَمْعه الجاري وإعوالهِ ... ما يُخبر السائلَ عن حاله
رحّلْتُ عِيساً كلّتها عامل ... في حالِ أرقالي وأرقالِهِ
حتى تناهينَ إلى سيّدٍ ... صَبّ إلى طلعة سُؤّالِهِ
قال: وضده في بشاعة ابتداء الأشعار حبيب بن أوس الطائي.
وأخبرنا ابن أبي خيثمة عن دعبل قال: قال القصافي الشعر ستين سنة لم يعرف له إلا بيت واحد وهو:
خوصٌ نواجٍ إذا صاحَ الحُداةُ بها ... رأيتَ أرجُلَها قُدّامَ أيديها
١٨٧ - عمرو بن أبي بكر العدوي، قرشي، قاضي دمشق، أخو عمر بن أبي بكر المؤمّلي الذي روى عنه زبير بن بكار، وله شعر ظريف منه قوله: برِئتُ من الأسلامِ إن كان ذا الذّي أتاكِ به الواشون عني كما قالوا
ولكنّهم لما رأوكِ سريعةً ... إليّ تواصَوا بالنميمة واحتالوا
وبلغني أن المأمون استنشده هذا الشعر، فاعترف به له، وقال: قلته وأنا حدثٌ، فقال: قاض لا تكون له يمين إلا بالبراءة من الإسلام! وأمر بصرفه عن الحكم بدمشق، وأنه قال لمن يتغنى فيه أن يتغنى فيه:
حرمت مناي مند إن كان ذا الذي
وذكر دعبل أن عمرو بن مسعدة كان يقوم بأمر عمرو بن أبي بكر في أيام المأمون - وكان محمد بن يزداد يحمل عليه - فقال يمدح عمراً ويغمز على ابن يزداد:
لشتّان بين المدَّعِين وزارةً ... وبين الوزير الحق عمرو بن مَسْعَدْ
فَهمُّمُ في الناسِ أن يجبوهم ... وهئُّم أبي الفضلِ اصطناعٌ ومَحْمَدْ
فأسكن ربُّ الناس عمراً جنانه ... وأسكنهم ناراً من النار مُؤصَدة
١٨٨ - عمرو بن بحر الجاحظ العلامة أبو عثمان، صاحب الكتب التي لم يسبقه إلى تأليفها أحد من نظرائه، ولا يلحق به غيره إن شاء الله، وهو مقتدر على الشعر، وكثير القول، وسرَّاق فيه حدثني أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشّي رحمه الله قال: حدثني إبراهيم بن رياح بن شبيب قال: مدحني حمدان بن أَبان بن عبد الحميد اللاحقي بشعر فيه هذان البيتان:
بدا حسين أَثرى بأخوانِه ... قفلّلَ عنهم شَباةَ العدمِ
وذكرهُ الحزمُ غِبَّ الأمو ... رِ فبادرَ قبلَ انتقالِ النِعمِ
قال: فرُوي هذا الشعر وعُرف بالبصرة، ثم جاءني الجاحظ بشعر أدخل فيه هذين البيتين، فاحتملتف ذلك وأَثَبْتُهُ عليه، فبينا أنا يوماً في مجلس أحمد ابن أبي داود والجاحظ في مجلسه إذ قال لي أحمد: ما مُدِحتُ بشيء أحسن مما مدحني به أبو عثمان.