النَّوْع الثَّالِث الاغترار بِمَعْرِِفَة الْأَحْوَال والآداب وأخلاق النُّفُوس الذميمة والحميدة وَكَيْفِيَّة السَّعْي فِي إِبْطَالهَا وَتَقَلُّبهَا وَكَذَلِكَ معرفَة التَّعْظِيم والإجلال وَالتّرْك والإهمال وَالْخَوْف وأسبابه والرجاء وموجباته والمحبة والمهابة وَالتَّوْبَة وأركانها وشرائطها والزهد وَالرَّغْبَة ورتب المجهود فِيهِ والمرغوب فِيهِ والتوكل على الله تَعَالَى والرياء وَالْإِخْلَاص ويبالغ فِي حسن التَّعْبِير عَن ذَلِك كُله ويظن بجهله أَنه متصف بِهَذِهِ الْأَوْصَاف توهما مِنْهُ أَن حسن الْعبارَة عَنْهَا تدل على تحقيقها فيعتقد أَنه راج وَهُوَ مغرور ويعتقد أَنه خَائِف وَهُوَ متوهم ويعتقد أَنه متوكل على الله تَعَالَى وَهُوَ متوكل على الْأَسْبَاب ويعتقد أَنه مقبل على الله وَهُوَ معرض عَنهُ ويعتقد أَنه محب مَعَ خلوه من آثَار الْحبّ ويعتقد أَنه مشمر وَهُوَ متهاون إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يُوهِمهُ الشَّيْطَان أَنه من أَهله وَلَيْسَ من أَهله
وَإِنَّمَا يعرف هَذَا غلطه بِأَن يجرب نَفسه فِيمَا يَدعِيهِ من الْأَوْصَاف فَإِن ادَّعَت عَلَيْهِ الْخَوْف جربها عِنْد همه بمعصيته لله تَعَالَى فَإِن أقدم على مَا هم بِهِ فَلَيْسَ بخائف ثمَّ ينظر فِي قطع الْإِصْرَار عَن ذَنبه وَالتَّوْبَة مِنْهُ فَإِن لم تسمح نَفسه بِالتَّوْبَةِ علم أَنه غير خَائِف لِأَن أول رتب الْخَوْف الْخَوْف من الذُّنُوب فَكيف يَدعِي الْخَوْف من لَيْسَ فِي رتب أدنى الْخَائِفِينَ