للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - أن يظهر من قوله أو فعله ما يدل على المعنى الكفري ويلتزمه.

إن الإسلام إذا ثبت بالنسبة لإنسان لا يجوز إخراجه منه بالظن والتهمة أو تحميل كلامه فوق ما يحتمل لأن ذلك كله مما لا يجوز به الحكم بالكفر على الشخص المعين، وهو في ذلك مثل الحدود الشرعية لا تثبت على الإنسان إلا بالاعتراف أو الشهود.

كما أن لازم المذهب ليس بمذهب فإذا قال إنسان قولا وكان يلزم منه الكفر كمن أنكر: أن الله فوق السماء أو نفى الصفات عن الله عز وجل, فإن لازم ذلك تكذيب الله ورسوله، بل لازم ذلك نفي وجوده تبارك وتعالى وهذا كفر بين، ولكن لا يحكم على الشخص بالكفر ما لم يبين له ذلك ويلتزمه،لأن الإنسان قد يقول المقالة وهو ذاهل عن لازمها بل لا يقصده بل ربما يكون يقصد نقيضه كمن أراد أن ينزه الله في زعمه عن المكان فيقول: هو في كل مكان،فإن لازم ذلك أنه لا ينزهه عن مكان طيب أو خبيث، وهذا كفر، لكن من قال هذه المقالة فإنه لا يقصد ذلك. واستدل لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة١٠٤] .

فإن المسلمين كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم "راعنا" يقصدون بذلك التفت إلينا وارعنا انتباهك، وكان اليهود يستغلون ذلك ويقولونها للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يقصدون بذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم لأن معناها عندهم من الرعونة وهي الحمق والطيش، فنهى الله المسلمين عن هذه المقالة لما تضمنت من المعنى الفاسد الذي لا يقصدونه، حتى لا يتخذها اليهود وسيلة لسب النبي صلى الله عليه وسلم جهارا"١.

هذا في حالة أن يكون القول أو الفعل محتملا للكفر وغيره أما إذا كان القول أو الفعل غير محتمل إلا الكفر كمن سب الله ورسوله أو استهزأ بهما أو سجد لصنم، فهذه الأفعال لا تحتمل إلا الكفر فيحكم على المعين به كما قال الله عز وجل: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة٦٥, ٦٦] فجعل الله عز وجل سبب الكفر هو الاستهزاء بالله عز وجل ولم يعتبر العذر وهو


١ الرد على البكري ص ٣٤١ – ٣٤٢، وانظر فتنة التكفير ص: ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>