للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دماء المسلمين ظنا منهم أنهم كفار لارتكابهم الذنوب، والجهمية والمعتزلة أنكروا صفات الله عز وجل بشبهة عرضت لهم في ذلك وهو ظنهم أن ذلك ينافي تنزيه الله عز وجل.فلهذه الشبهة في التأويل لا يكفر أعيانهم. فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكفر الخوارج بل قال: إخواننا بغوا علينا، وقال لما قيل له إنهم كفار قال: من الكفر فروا، وقد وافقه الصحابة على ذلك فصار إجماعا١، وهذا مع ما ورد من الحديث الذي يصفهم بأنهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية.

ومما يستدل لذلك أيضا أن قدامة بن مظعون رضي الله عنه شهد عليه شهود بشرب الخمر، فقال له عمر: إني حادك، فقال: لو شربت كما يقولون، ما كان لكم أن تجلدوني, فقال عمر رضي الله عنه: لم؟ قال قدامة: قال الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا...} [المائدة٩٣] الآية، قال عمر رضي الله عنه: أخطأت التأويل إن اتقيت الله اجتنبت ما حرم الله عليك "٢.

قال شيخ الإسلام: "إن عمر بن الخطاب اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا وإن أصروا على استحلالها قتلوا"٣.

فقدامة رضي الله عنه استحل الخمر لشبهة عرضت له فيما فعل, وذلك أنه ظن أن الخمر ليست محرمة على من كان تقيا وهذا فهمه من الآية التي استدل بها, حتى أبان له عمر رضي الله عنه خطأه في الفهم فارتفعت بذلك شبهته.

ومثله في ذلك ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم من الاقتتال الذي كانوا فيه متأولين لشبهة وقعت لهم.

فعلى هذا إذا وقع الإنسان في أمر كفري،وهو متأول لشبهة عرضت له فلا يكفر حتى يبين له وترتفع شبهته. قال شيخ الإسلام عن علماء الجهمية: "ولهذا


١ انظر مجموع الفتاوى ٣/٢٨٢
٢ سنن البيهقي ٨/٣١٦
٣ مجموع الفتاوى ١١/٤٠٣

<<  <  ج: ص:  >  >>